اقتصاد وأعمال

السودان.. زيادات كبيرة في تعرفة المواصلات تغضب المواطنين

الخرطوم – تلقي الزيادات المستمرة لأسعار الوقود بأعباء ثقيلة على جميع مناحي الحياة في السودان الرازح تحت وطأة أزمة اقتصادية مزمنة ومتفاقمة منذ أشهر طويلة.
فبعد قرار الحكومة الانتقالية تحرير أسعار الوقود، عمدت الشركات المستوردة للمواد البترولية إلى تطبيق زيادات متوالية ومتسارعة كانت الخامسة من نوعها الأسبوع الماضي خلال شهرين، حيث بلغ سعر اللتر من البنزين 766 جنيها (الدولار يساوي 640 جنيها في البنوك والمصارف مقابل نحو 730 جنيها للدولار في السوق السوداء)، وتبرر الشركات رفعها للأسعار بأنها تشتري الدولار من السوق الموازية لاستيراد المشتقات النفطية ومن ثم ترحيلها من الميناء إلى العاصمة (الخرطوم) وبقية الولايات.
وتتأثر المواصلات العامة في السودان كغيرها من القطاعات الحيوية بالارتفاع المتوالي لأسعار الوقود، حيث اضطر أصحاب المركبات منذ مطلع هذا الأسبوع إلى تطبيق زيادات جاوزت في بعض الخطوط 100% كمحاولة لتغطية الكلفة العالية للوقود، مقرونة بزيادة كبيرة في أسعار قطع الغيار التي تزيد بدورها مع التراجع المريع للعملة المحلية مقابل سلة العملات الأجنبية.
معاناة المواطنين
ويواجه محمد الطاهر -موظف حكومي- وضعا قاسيا بعد زيادة المواصلات، بخاصة أنه يعول 5 من البنين والبنات جميعهم في مراحل تعليمية تستوجب استغلالهم المواصلات العامة للوصول إلى المدارس والجامعات البعيدة.
ويقول للجزيرة نت وعلامات الغضب لا تفارق ملامحه إن خروج أبنائه للدراسة يتطلب منه توفير 6 آلاف جنيه على أقل تقدير يوميا لتغطية المواصلات فقط باستثناء المصروفات الأخرى وبينها وجبة الإفطار ومتطلبات دراسية أخرى.
ويشير إلى أن نجله الأكبر يحتاج لأخذ أكثر من وسيلة نقل للوصول إلى مقر الجامعة، وذلك يلقي بعبء إضافي على المصروفات إلى الحد الذي يجعله أحيانا يتخلى عن الإفطار والابتعاد عن مرافقة زملائه إذا رغبوا في بعض الترفيه.
ويتحدث الطاهر بأسى عن احتمالات عدم إكمال اثنين من أبنائه الدراسة بسبب الضغط القوي على الأسرة بعد زيادة تكاليف النقل وغيرها من الأسعار، ويلفت إلى أن الحكومة لم تزد راتبه الذي لا يتعدى 20 ألف جنيه وأنه يضطر إلى الاستعانة بأقارب له خارج السودان للتمكن من مقابلة الوضع المتأزم.
وبعد إنهاء شجار عنيف بينه وبين راكب احتج على زيادة تعرفة المواصلات بين الخرطوم والكلاكلة إلى 400 جنيه -بما يلامس 100% عن التعرفة السابقة- يقول سائق الحافلة عبد الله الأمير -للجزيرة نت- إن زيادة التعرفة رغم احتجاج المواطنين عليها لا تغطي تكلفة النقل في ظل ارتفاع أسعار الغازولين وتصاعد قيمة قطع الغيار حيث تتأثر الإطارات وغيرها برداءة الطرق في الخرطوم وذلك يخلق عبئا إضافيا على أصحاب سيارات النقل.
ويشير عبد الله الأمير إلى أن المواصلات تشهد وفرة ملحوظة بعد إحجام الناس عن التحرك بسبب التكلفة العالية، قائلا إن خطوط النقل باتت مسرحا يوميا للملاسنات والشجار غضبا من الزيادات التي يضطر أصحاب المركبات إلى تطبيقها مع كل زيادة في أسعار الوقود، من دون أن يكون أمامهم خيار ليستمروا في العمل.
ولا يبدو أصحاب سيارات الأجرة العاملة بتطبيق الهواتف أفضل حالا من النقل العام، حيث أغلق عشرات منهم التطبيق واتجهوا للعمل برفع علامة التاكسي باعتبارها أكثر نفعا كما يقول سيد محيي الدين للجزيرة نت، مؤكدا عدم منطقية الأسعار التي تضعها الشركة مقارنة بالوقود المرتفع فضلا عن خصمها ما قيمته 15% من الرحلة رغم عدم عدالة السعر من الأساس.
تراجع الإقبال
ورصدت جولة للجزيرة نت في عدد من محطات الوقود بالعاصمة تراجعا ملحوظا في عدد السيارات التي كانت تصطف في السابق لمسافات بعيدة، وعزا عامل في محطة “بشائر” قلة الإقبال إلى الارتفاع المستمر في أسعار الوقود، وقال إن مرتادي المحطة من أصحاب السيارات يعمدون إلى التعبئة بمبالغ ضئيلة لا تصل في أغلب الأوقات لملء خزان الوقود بنحو كامل بسبب الكلفة العالية حيث يحتاج أصحاب السيارات الصغيرة لما لا يقل عن 20 ألف جنيه للملء وهو ما لا يتوفر إلا لميسوري الحال، كما يقول.
وعلى غير المعتاد لم يتأثر مستوى الإقبال على محطات الوقود بإعلان الحكومة الثلاثاء أن المتوفر من البنزين يكفي حاجة البلاد لأيام معدودة، حيث أكد ممثل المؤسسة السودانية للنفط عبد العزيز علي محمد خير -في تصريح صحفي- أن موقف الإمدادات النفطية مطمئن رغم توقف مصفاة الخرطوم عن العمل، متوقعا استئناف العمل فيها خلال أسبوع.
وأشار إلى أن مخزون البلاد من الغازولين يكفي 29 يوما ومن البنزين يكفي نحو 12 يوما.
زيادة تعرفة البصات
والأسبوع الجاري أعلن اتحاد غرف النقل عن تطبيق زيادة في أسعار تذاكر البصات السفرية بنسبة 73% لكنه ربط تنفيذ الزيادة ببداية تطبيق طريقة المداورة -تنظيم الرحلات بالتناوب وفق جداول زمنية- تماشيا مع التصاعد في أسعار مدخلات التشغيل.
وقال رئيس لجنة التعرفة بالاتحاد أسامة أبو قرجة -في تصريح صحفي- إن زيادة تعرفة نقل الركاب إلى الولايات بنيت على منهجية علمية راعت المصروفات المباشرة المتمثلة في أسعار الوقود وتكلفة الخدمات داخل البصات، والمصروفات غير المباشرة المتمثلة في التأمين والترخيص وقطع الغيار.
من جهته، أعلن رئيس اللجنة المكلفة بإدارة الهيئة الفرعية للحافلات بولاية الخرطوم ميرغني محمود عن دراسة قيد التحضير لرفعها للجهات المختصة تعالج أزمة المواصلات في العاصمة بالاستفادة من عشرات البصات الحكومية وصيانتها لتعمل جنبا إلى جنب مع الحافلات التي ينبغي تركها لتحدد أسعارها بنحو تجاري لا سيما في ظل ارتفاع تكلفة التشغيل والوقود، وهو ما ينعكس -وفقا لمحمود- على أصحاب الدخل المحدود بنحو يصعب معه مجاراة الزيادة المستمرة في تكلفة المواصلات.
ويوضح محمود للجزيرة نت أنه ينبغي التخلي عن العقلية الاستثمارية في التعامل مع بصات شركة ولاية الخرطوم (حكومية) والاستفادة من خبرة آلاف السائقين بعد صيانة البصات وتمويلها عبر بنك العمال ليكون العائد مجزيا للسائقين من دون حاجة إلى التفكير في أرباح أخرى .

الجزيرة نت