تحقيقات وتقارير

الشائعات في السودان .. انتشار النار في الهشيم

مواطن: السبب الأساسي هو تدني مستوى الوعي

بلدو: انتشارها بسبب الحياة الروتينية والشعور بالملل

تاجر: وسائل التواصل الاجتماعي تقدم الجانب السلبي من الشائعات

مواطنون: على الحكومة سَن قوانين رادعة ضد أصحاب الحسابات المُروّجة

رغم ما أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي من فرص إيجابية، وفوائد حياتية للمجتمعات المُعاصرة، وما خلقته من زخم فاق أحياناً كثيرة وسائل الاتصال التقليدية المعروفة، فإنها أصبحت هاجساً أمام السلطات السودانية لما يبث فيها من شائعات ضارة مثلت تحدياً جديداً أمامها، لا سيما أن الشائعة يمكنها أن تنتقل في ثوانٍ محدودة إلى جميع الأنحاء.

تهديد أمني

قدِّرت مصادر مسؤولة الحسابات المتخصصة بإطلاق الشائعات في السودان بنحو ٣٠٠٠ حساب، مما يجعل البلاد أرضاً خصبة للأخبار المضللة التي يقصد نشرها لأجندة سياسية محددة، وفتح الانتشار الواسع للشائعات الباب أمام نقاشات جادة في السودان حول أهدافها والجهات التي تقف خلفها خصوصاً أنها تحوّلت إلى مصدر قلق وتهديد أمني واجتماعي كبير للسودانيين، ويلقي البعض باللوم على غياب المعلومات الحقيقية وصعوبة الحصول عليها من الجهات المعنية.

إغلاق حسابات

وفي السياق ذاته، قال الناشط المتخصص في شبكات التواصل الاجتماعي وليد أحمد، إن العدد كبير جداً و٣٠٠٠ حساب تصعب إدارتها من جهة واحدة، لأن الرقم مبالغ فيه ولكن الفكرة في حد ذاتها صحيحة، وقال قبل فترة قام فيسبوك بإغلاق نحو ٢٠٠ حساب مزيف تابعة لرجل أعمال روسي متهم بالتدخل في الانتخابات الأمريكية شملت الحملة إغلاق حسابات من ضمنها سودانية عددها ٢٠ حسابا مزيفاً و١٨ صفحة تنتحل صفة مؤسسات أخبارية، وأشار قبل فترة ظهر حساب جديد باسم أخبار السودان متخصص لنقل أخبار البلاد بصورة حيادية وكان موثقا بالشارة الزرقاء، واتضح فيما بعد أن الحساب يقوم بنقل أخبار مزيفة ومضللة عن طريق حسابات فيها أعداد كبيرة، ولكن الحسابات الجديدة لا تؤثر بسبب قلة متابعة الأشخاص لها.

انسجام تام

في وقت سابق سرت شائعة مفادها وجود توتر بين الجيش وقوات الدعم السريع، الامر الذي نفته القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وقال العميد الطاهر أبو هاجة المستشار الإعلامي للقائد العام للجيش، إن ما أوردته بعض الوسائط عن وجود توتر بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لا أساس لها من الصحة، مشدداً على أنهما يعملان بتناغم وانسجام تام، وقال العميد ركن جمال جمعة آدم الناطق الرسمي لقوات الدعم السريع السابق ، إن تلك الشائعة ذات المقصد المعلوم والتي تهدف إلى خلق بلبلة وفتنة ومن أطلقها لا يريد خيراً للبلاد، وأضاف اننا نثق في فطنة شعبنا الأبي وندعو إلى تفويت الفرصة على من يتربّص بثورته المجيدة، وأكد جمعة أن قوات الدعم السريع جزء لا يتجزأ من قوات الشعب المسلحة وتأتمر بأوامر القائد العام، وتابع: لن تثنينا مثل هذه الشائعات عن القيام بواجبنا في حماية الشعب السوداني.

زعزعة الثقة
وأشار العقيد ركن نبيل عبد الله الناطق الرسمي للقوات المسلحة إلى أن هنالك جهات تُريد تسميم العلاقة بين القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وبين الشعب، وأكد نبيل أن القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى جزءٌ من الشعب السوداني، وان ما يُتداول من شائعات لزعزعة الثقة بين الشعب ومنظومته العسكرية إنما هي عبر الأسافير، ودعا عبد الله كافة الشعب السوداني إلى عدم الرضوخ للشائعات لأنّها صادرة من جهات لا يهمها الوطن ولا المُواطن، وجدد أن مثل هذه الشائعات تنطلق من أصوات تسعى لضرب وحدة البلاد وأمنها عبر زعزعة الثقة بين الشعب وقواته النظامية.

تصفية الحسابات

وأرجع استشاري الطب النفسي الدكتور علي بلدو، انتشار شائعات وسائل التواصل الاجتماعي في السودان إلى الحياة الروتينية والضجر والملل بالإضافة إلى الوضع النفسي مما يؤدي إلى الإثارة والرغبة في الشائعات، مشيراً إلى أن أبرز أهداف الشائعات بث روح معينة تجاه موضوع محدد، بجانب أنها أصبحت وسيلة لتصفية الحسابات الشخصية، وأكد بلدو أن الشفافية وتمليك المعلومات من قبل السلطات عوامل مهمة للحد من انتشار الشائعات.

توخي الحذر

المواطن محمد علي من منطقة جبرة جنوب الخرطوم قال لـ”الصيحة”، إن السبب الرئيسي في انتشار الشائعات بصورة كبيرة جداً هو تدني مستوى الوعي لأغلب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى انتشارها دون التفكير في صحتها أو عدمها، بجانب عدم نقل المعلومة من الجهات الرسمية أو المقربة للحدث، ودعا محمد كافة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة توخي الحذر في نقل أي معلومة دون الرجوع إلى المصادر الرسمية.

إصدار قوانين

وأشار محمد أحمد بابكر حمدي تاجر بسوق بحري للأسمنت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تقدم الجانب السلبي من الشائعات وتخدمه من خلال ترويجها، ودعا حمدي للتنسيق بين الجهات العدلية والقضائية والنظامية للحد من انتشار الشائعات المبثوثة عبر الوسائل المختلفة، وحذّر حمدي من خطورة الشائعة بوصفها واحدة من الجرائم الإلكترونية ذات التأثير المجتمعي مما يتطلب من الحكومة إصدار قانون لضبط تلك الوسائل.

آثار نفسية

ومن جهته، قالت ساجدة مهدي محمد طالبة بجامعه كرري، بالأمس أطلق عدد من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي شائعة مُغرضة عن وفاة الفنان والشاعر القدير السر قدور مقدم برنامج أغاني وأغاني في شهر رمضان، الأمر الذي نفته ابنته ثريا قائلة الوالد بألف صحة وعافية، وكل ما في الأمر عانى من بعض مُضاعفات القولون العصبي، لكن الآن في أفضل حال، وقالت إن على من يطلقون مثل هؤلاء الشائعات أن يراعوا مشاعر اسر ومحبي المفترى عليه وما يترتب عليها من آثار نفسية جسيمة عليهم وعلى المريض، ودعت ساجدة كل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بأن يتحروا دقة المعلومة قبل نشرها حتى لا يقعوا ضحية للشائعات الذي يطلقها أصحاب القلوب المريضة من أجل بضعة لايكات أو تعليقات على حد تعبيرها ودعت مهدي الحكومة على ضرورة سَن قوانين رادعة ضد أصحاب هؤلاء الحسابات حتى يكونوا عِبرةً لغيرهم.

تفعيل التشريعات

وأشار أستاذ علم الاجتماع الأستاذ محمد عوض شريف الى أنه لا بد من تمليك المعلومات والحقائق أولا بأول لقتل الشائعة في مهدها قبل خروجها لوسائل التواصل الاجتماعي، بجانب تفعيل التشريعات والقوانين المتعلقة بجرائم المعلوماتية لكبح جماح الشائعات، وطالب شريف، المجتمع السوداني للتأكُّد من صحة المعلومات قبل تداولها بين وسائل التواصل المُختلفة.

تحقيق/ محمد سيف ديومة
صحيفة الصيحة