قمة القاهرة .. كيف خسر الهلال ولماذا انتصر المريخ
1
أعدت مشاهدة مباراة القمة مرة أخرى، واخترت التريُّث قبل تقديم رؤية تحليلية حتى “تذهب السكرة وتأتي الفكرة” ويكون التحليل بعيداً عن العاطفة والإحساس المرتبط بالنتيجة.
2
لماذا خسر الهلال؟
أبدأ بمحاولة الإجابة على هذا السؤال بطرح سؤالين، الأول هو هل كان الشكل العام للهلال جيداً؟ وأجيب “بنعم” فالفريق سيطر على الكرة بنسبة وصلت إلى “63%” وهي نسبة عالية بالنسبة لمباراة قمة ومرّر لاعبوه “487” تمريرة بنسبة نجاح في التمرير وصلت إلى “77%” كما حصل الفريق على ثماني ركنيات وحصل الفريق على “27 مخالفة” وهي كلها أرقام تؤكد أن الشكل العام كان جيداً لننتقل إلى سؤال ثانٍ إجابته تعد مدخلاً لتوضيح أسباب الهزيمة وإن كانت مستحقة أم لأ وهو “هل تغيّر شكل الهلال عن أول جولتين؟” وإجابتي هي “لا” لأن الفريق حافظ على الشكل العام “الجيد”، لكنه حافظ كذلك على سلبيات التنظيم الذي ينتهجه سواء الدفاعية والهجومية ولم يظهر أي تحسن في كل الجوانب المؤثرة في “حسم المباريات” وهو ما يقود لطرح تساؤلات على الجهاز الفني للهلال “هل يقوم موتا وطاقمه المعاون بتحليل أداء الهلال؟ وهل يقومون بتحليل أداء المنافسين قبل مواجهتهم؟”
التساؤل بشأن تحليل الجهاز الفني لأداء الهلال لأنني وفي تحليل سابق بعد مُباراة صن داونز تطرقت إلى تحسن الشكل العام وتطور الاستحواذ، كما تطرقت إلى “خطورة تركيبة الوسط التي يلعب بها الفريق” والى نقطة مهمة وهي أن “الفريق رغم الاستحواذ بات يعاني ليس في تسجيل الأهداف فحسب، بل حتى في صناعة فرص حقيقية”، فهل أظهر الهلال أي قدر من التحسن في تلك الجوانب في مباراة القمة؟ والإجابة نتركها للأرقام التي تقول إن الفريق الذي استحوذ على الكرة بنسبة “63%” وحصل على ثماني ركنيات وعدد كبير من المخالفات وأرسل “23 عرضية” لم يسدد طوال المباراة سوى “ثماني تسديدات” منها واحدة تم اعتراضها من المدافعين وثلاث خارج الخشبات واربع تسديدات فقط بين الخشبات، كما لم يحصل الفريق سوى على فرصة وحيدة مؤكدة للتسجيل، وبالتالي فإن ما تطرقت له بعد مباراة الهلال أمام صن داونز من سلبيات على صعيد الأفكار الهجومية ما زالت مستمرة ولم تشهد ولو الحد الأدنى من التحسن .. والأرقام تؤكد أن الوضع لم يختلف على صعيد الأفكار الدفاعية، فالمريخ ورغم قلة السيطرة والركنيات والعرضيات لكنه شكل ذات خطورة الفريق المستحوذ بسبع تسديدات بل تفوق في أن خمس منها بين الخشبات، بينما تم اعتراض تسديدتين من قبل المدافعين وخلق فرصة مؤكدة وحيدة، وبالتالي فإن الهلال صاحب “الشكل العام” الأفضل عانى دفاعياً وهجومياً وقدم صورة كربونية لذات النسخة التي كان عليها في أول جولتين ولم يظهر أي تحسن في علاج تلك السلبيات “القاتلة” وهو الوصف الأنسب لأن الفريق الذي “لا يجيد الدفاع ولا يسجل الأهداف لا يكسب.”
3
لماذا انتصر المريخ؟
وأبدأ بطرح ذات السؤالين للوصول إلى إجابة، الأول هو هل كان الشكل العام للفريق جيداً واجيب عليه “لا”، فالفريق كان ضعيفاً في الاستحواذ على الكرة “37%” ودقة تمريراته “67%” كما حقق معدلاً ضعيفاً حتى على مستوى التمريرات الطويلة وهو “24%” مع التنويه إلى أن الفريق الذي يعتمد على الدفاع والمُرتدات ينبغي أن يجيد التمريرات الطويلة بدقة عالية، كما أن مُعدّل نجاح الفريق في المُراوغات والمرور من المنافس أيضاً كان ضعيفاً وهو “41%” ونسبة نجاح عرضياته 13% وحتى في كسب الصراعات الثنائية والصراعات الهوائية كانت الأفضلية للمنافس، كما أن لاعبي المريخ حصلوا في التقييم العام على “6٫71” مقابل تقييم أعلى “6,85” للاعبي الهلال، وبالتالي وبكل الأرقام لم يكن شكل المريخ العام جيداً.
أما السؤال الثاني فهو “هل تغيّر شكل المريخ عن المباراة الأولى؟” والإجابة هي “نعم ولا” نعم على صعيد الأداء الدفاعي “أعود لاحقاً لهذه النقطة” والتحسُّن الدفاعي واضح من الأرقام، نجح لاعبو المريخ في اعتراض الكرة وقطع تمريرات الخصم “30 مرة” وفي الاستخلاص “26 مرة”، كما لم يحصل المنافس على أكثر من فرصة واحدة مؤكدة وهو تحسن كبير للأداء الدفاعي، كما أن الفريق تحسن على مستوى النجاعة بتسجيل هدفين من خلال عدد محدود من الهجمات، لكن “لا” لأنه لم يتحسن على مستوى الشكل العام كما أشرنا باستمرار أخطاء التمرير والفقدان السهل للكرة، لكن ذلك لم يمنعه من الفوز وهو “فوز مستحق” لأنه وببساطة تميز على منافسه في أهم عاملين وهما “الدفاع الجيد والنجاعة.”
“4”
في هذا الجزء من التحليل أود الإجابة على سؤال “هل الشكل العام للمريخ مطمئن؟” وهو جزء في غاية الأهمية في ظل امتلاك الفريق لحظوظ جيدة حتى اللحظة في المنافسة على إحدى بطاقتي التأهل وبالتالي من الواجب تجويد الأداء لأقصى درجة ممكنة.. بالعودة للسؤال أجيب “لا ونعم” نعم لأن هنالك تحسناً على مستوى أداء الخط الخلفي وهو أحد أهم الخطوط ولكي أكون أكثر دقة فإن التحسن كان على مستوى أداء “العناصر” الدفاعية في الفريق “توماس، حمزة، كرشوم، بخيت، الصيني وطيفور” إلى جانب عنصر هجومي مؤثر وهو “السماني” لكنني قدمت “لا” على نعم في الإجابة لأن الأداء الجماعي في كرة القدم أهم من الفردي وجودة تنظيم الفريق الدفاعي والهجومي هي الأهم والمريخ لم يكن جيداً أمام الهلال، بل أن أغلب أرقام المباراة تشير الى أن الفريق على الصعيد الجماعي كان سيئاً.. فنسبة الاستحواذ الضعيفة ونسبة التمريرات الخاطئة المرتفعة وعدد الكرات الكبير التي خسرها الفريق ابان محاولات المراوغة والتخطي كلها مؤشرات لمشاكل في “الانتشار.. تقارب الخطوط .. دعم ومساندة الزميل.. الحركة بدون كرة والتركيز”، إلى جانب مشكلة في “التحول الهجومي”.. كما أن نسبة استحواذ الهلال العالية مؤشر لمشكلة في “سرعة استعادة الكرات” وهي مشكلة ترتبط أيضاً بمسألة تقارب الخطوط والأداء الدفاعي كتنظيم وليس أفراداً.. فالهلال نجح في كسر الخطوط الدفاعية الأول والثاني للمريخ في الكثير من أوقات المباراة ولولا التألق اللافت لكل “عناصر” الخط الخلفي والمجهود الكبير لثنائي المحور بالإضافة إلى معاناة الهلال من مشكلة كبيرة في الثلث الأخير “صناعة الفرص وتسجيل الأهداف” لربما تبدلت النتيجة، لأن المشكلة الأبرز من وجهة نظري وبعد مُشاهدة اللقاء مرّتين تكمن في نقطتين، الأولى “عدم تحرك المريخ ككتلة واحدة بخطوط متقاربة طلوعا ونزولا”، وبالتالي كانت تظهر مساحات كبيرة يسهل للمنافس معها كسر الخطوط والوصول لثلث الفريق الأخير، أما الثانية فهي الاعتماد على أسلوب قديم وهو “رقابة الأفراد” عوضاً عن تغطية المساحات .. وبالتالي، فإن التنظيم الدفاعي للمريخ في القمة لم يكن مطمئناً وهو ما غطى عليه تألق الأفراد من ناحية ومشاكل الهلال من أخرى وهو ما دفعني لأبدأ التحليل بالإجابة على سؤال “لماذا خسر الهلال؟” قبل سؤال “لماذا انتصر المريخ؟”، لأن المريخ ببساطة ما كان له أن ينتصر لولا فشل الهلال في علاج سلبياته وعدم قراءته للمنافسين.. كما أن المريخ لم يستفد من ظروف المباراة، فالفريق تقدم في الدقائق الأولى، ثم سجل هدفاً ثانياً بعد دقائق معدودة من إدراك الهلال للتعادل، وبالتالي خاض أغلب فترات المباراة وهو متقدما وهو إلى جانب كونه في وضع نفسي وذهني جيد فهو يعني كذلك توافر مساحات أكبر في نصف ملعب الخصم الباحث عن التعديل والذي يلعب من الأساس بلا عناصر دفاعية في الوسط، لكن سرعة ودقة التحول الهجومي في المريخ لم تكن جيدة وزاد الوضع سوءاً مردود توني السيئ “رغم صناعة الهدف الثاني بمهارة فائقة والمساهمة بتمريرة مفتاحية في الهدف الأول” ومردود رمضان عجب السيئ وعدم استفادة الجزولي من لياقته العالية ومجهوده الكبير بكثرة الوقوع في التسلل ونقص الخبرة ولولا الحالة المثالية للسماني الذي حصل على تقييم عالٍ جداً “8،3” لعانى المريخ كثيراً هجومياً.
5
الطاقم الفني للمريخ يحتاج لمراجعة أداء الفريق.. والعمل على تطوير المنظومة الجماعية وبالأخص جزئية تحرك الفريق ككتلة بخطوط متقاربة طلوعاً ونزولاً، لأن تلك الطريقة تجعل التنظيم الدفاعي أفضل بإغلاق المساحات وتجعل التحول الهجومي أخطر وأسرع وتساعد على تقليل أخطاء التمرير.. كما أن الطاقم الفني مطالب بفرض هيبته فيما يتعلق بالتزام اللاعبين بالواجبات في الملعب والحديث مع توني تحديداً ليتعامل بجدية ومسؤولية أكبر.. فاللاعب يملك قدرات رهيبة ويمكن أن يكون فتاكاً بكل المنافسين، لكنه بذات القدر يؤدي بمزاجية ولا مبالاة في بعض الأوقات من شأنها أن تفتك بفريقه، ومن واجب كل اللاعبين احترام المنظومة الجماعية والتعامل بعقلية محترفة لأن مباريات دوري أبطال أفريقيا لا تتحمّل الأداء المزاجي وتأرجح المردود وعدم الالتزام بالواجبات.
6
الفوز في مباراة رغم سُوء الأداء أمر جيد.. لكن استمرار الانتصارات يستوجب التحسن وتصحيح الأخطاء.
الخرطوم: ناصر بابكر
صحيفة الصيحة