صبري العيكورة يكتب: امرأة تغني للبشير
مقطع لتسجيل صوتي تغني فيه سيدة سودانية والصوت المنبعث خلف صورة الرئيس البشير بالزي القومي لخص الحكاية فى سبعة مقاطع والمقطع الذى بين يديّ قال ما يقوله المحللون والكتاب مما تصك (قحت) اذنيها عن سماعه وهو المقارنة بين زمن وزمن وحاكم وحكام وصدق وكذب ودين ولا دين والمرأة لم تكن تغني (بالدلوكة) وما يبدو للمستمع ومن حديث اطفالها من حولها يقول انها تغني لهم كمن يهدهد طفلاً لينام والمرأة كانت تضبط الايقاع على إناء منزلي لم أتبينه . والمرأة البسيطة لم تترك شيئاً الا وطافت عليه بلغة بسيطة ولحن لا يخلو من حزن وحسرة وعتاب وكانت تكرر بين كل وصف و وصف
(حاكم زي ده وين تلقوه يا حليلو البشير ظلموه)
والمرأة لم تترك الجوع والاهانة والامن . وما جعلني اتوقف عند (التسجيل) هو صدق التعبير وصدق الكلمة وبساطتها . وما تغنت به هذه السيدة هو ما سينطق به القاضي الذى سيقف البشير امامه وما تغنت به السيدة هو حال الكثيرين الذين اكتفوا بعض اصابع الندم !
سبق ان كتبنا فى غير مرة قبل السقوط وماذا بعد البشير؟ فسخروا منّا يومها ! ثم تدافعوا فتناقصوا فتلاشوا وهكذا هم الشركاء المتشاكسون .
اعادتني (دندنة) السيدة لاطفالها لما كتبه الاستاذ محجوب فضل بدري فى كتابة (البشير من كوبر الى كوبر) حيث ذكر ان الاستخبارات عندما اتته بمقطع (فيديو) يوثق لحظة القبض على الراحل الصادق المهدي بُعيد استلام السلطة متنكراً ان قال لهم (ارحموا عزيز قوم ذل) وامر بإتلاف المقطع وعندما اتوه بمقاطع لمعارضين بالخارج وهم فى حالة سكر و مقاطع مخلة قال لهم آمرا (احرقوا هذا العفن) فما ذنب ابنائهم وبناتهم فيما اقترف ابائهم ! نعم هكذا نقل عن هذا الرجل الذى تغنت له هذه السيدة .
إختلف الناس حوله ام اتفقوا ، تكالب عليه عملاء السفارات ام تفرقوا خانته لجنته الامنية ام لا غدر به ابن عوف ام قوش ام لا فهذا لا يهم !
فقد استطاع هذا الرجل ان يبقي على السودان وطن قوي رخي متماسك آمناً يهابه الاعداء . إستطاع ان يبقى على جيش قوي لم يستورد (رصاصة واحدة) إستطاع رغم الحصار ان تعم الوفرة ثم الرخاء و ان تتمدد البركة والبذل والانفاق فى النفوس و فى عهده اصبحت تعلق أكياس الخبز المجاني امام الافران لمن اراد ولا يستطيع الشراء !
إستطاع ان يقضي على صفوف المحروقات وتأمين العلاج المجاني و استطاع الكثير و الكثير الذى لا يمكن حصره واخفق فى بعض من اجتهاد البشر .
كل هذا وغيره تم بتوفيق الله ثم عزم الرجال والتفاف الشعب حوله ، لم تكن اماني تسوًق خلف المايكرفونات و لا بذلا للوعود الكاذبة ولا حديثاً يُفتري بل كان عرقاً وجهداَ وسهراَ و دماء .
فمثل هذه السيدة لا يهمها ذلك فما يهمها هو معيشتها واطفالها لذا كانت كلماتها صادقة وهى تبكي تاريخا قريبا و تغني لاطفالها .
و ما قالته هذه السيدة هو ما قاله احد التجار يخاطب صاحبة (الصديق) والكلام كان يقوله وهو يعبث باصبعه داخل انفه (يا الصديق يا الصديق حرّم وكت عمك بشة كان ماسك الدركسون كُنا نفطر (شية) ونتغدي سمك ونتعشي كوارع . إلا حرم هسي الشية بقت لينا زي غيار زيت العربية إلا كل تلاته شهور)
قبل ما أنسي : ــــ
فلتطمئن هذه السيدة والصديق وصاحبة و غيرهم فجحافل العودة قد بدأت وصهيل الخيل المسرجة على ابواب المدينة تنتظر و (كلو بالغانووون) .
و سنذكًرهُم كلما نسوا فسنذكرهم .
صحيفة الانتباهة