لقاء البرهان التلفزيوني: تسديدات اللكمات من الشاشات
(1) ملاحظتان بارزتان في حوار التلفزيون مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي مساء السبت ١١ فبراير ٢٠٢٢م، هما غياب قضايا الوطن والمواطن عن دائرة إهتمام السلطة، و تجاذبات حوار قوي السلطة ومكوناتها من وراء الشاشات بعد أن ضاق بهم طاولات النقاش المباشر وإجتماعات الغرف المغلقة ومجموعات الوساطة، فقد كشف اللقاء عن حوار جار بينهم وعن حوار مع لجان المقاومة وعن حوار يديره رئيس اليونتاميس وعن شخصيات وطنية ولقاءات مع قوي خارجية على ذات النسق، وعلى هذا النحو سار اللقاء، لم يناقش الظروف المعيشية للمواطنين ولا واقع الصحة المرير ولا الأمن المتردي ولا مطالب المناطق في شرق السودان أو تدهور الأمن في دارفور أو معاناة اهل الشمال ونداءاتهم.. كان الحوار عبارة عن إجابة على إستفسارات قوي الحرية والتغيير وضماناتها وهواجسها، وقد أناب عنها مقدم البرنامج، فقد سأل عن القبض علي وجدي صالح وخالد سلك، ولم يسأل عن إعتقال بروفيسور إبراهيم غندور أو د. محمد الجزولي وقد ردهم البرهان إلى السجون، بل واعفي النائب العام الذي صادق على قرارات ذات طابع قانوني، ولم يسأل مقدم البرنامج عن قيادات ورموز وطنية ظلت على مدار ثلاث سنوات دون تهمة او محاكمة، لقد كانت الحوار جزء من إستمرار (نحن والأنا) ما بين البرهان وجماعته ، وهو صراع سلطوي بإمتياز، تم توظيف منابر إعلام رسمية للتعبير عنه..
(2)
ومن ناحية الشكل، فإن ثمة ملاحظات أخرى :
أولاً: منذ البداية افتقر الحوار لتحديد من؟ يتحدث عن ماذا؟، ومع ان الفريق أول عبدالفتاح البرهان جلس على مائدة الحوار تحت لافتة رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، فإن مدار الأسئلة وغالب الإجابات إنابة عن (المكون العسكري)، وهذا أحال الحوار لدائرة طرفى الأزمة السياسية منذ ٢٠١٩م، ولم يطرح البرهان شخصه كرمز سيادي ورئيس مجلس السيادة الإنتقالي وإنما دخل كطرف في صراع بين طرفى سلطة، وهذه الصورة وقد كرست الأسئلة لهذه الفئة وكذلك الإجابات، لم يخاطب البرهان عموم مواطنيه وفئاته الإجتماعية ومبدعيه والزراع والعمال، وإنما ظل طيلة اللقاء حبيس (العلاقة النكدة) مع قوي الحرية والتغيير ومجموعاتها..
ثانياً: ومع خلال الحضور والإجابات دون تلعثم كثير، فإن اللقاء سبقه تنسيق ونقاش و rehearse، (قل ما تريد وسنجيب عليه)، ورغماً عن إستدراكات المحاور فإنها جزء من الإخراج لا أكثر، فقد تم الإتفاق عليها إجمالاً، سوي نقطة واحدة ويبدو انها تم الزج بها وهو الحديث عن (العدالة الإنتقالية)..
ثالثاً: ومع إستصحاب، أعلاه فإن إجابات البرهان تم التحضير لها بإحترافية، ومن الواضح أن هناك جهة ما وفرت نصيحة للبرهان، ولكنها إجابات وقعت في فخ حدود (الأسئلة)، أي ظل حبيس الزاوية التي أراد خصمه حشره فيها.. ذات مرة كنا نتحدث مع احد السياسيين النابغين، وبعد لمحة عامة عن المحاور قال (أسألوا أسئلتكم، وأنا بقول كلامي)، ومع ان غاية البرهان في أول اللقاء الحديث عن نقاط توافق، فإن التفريعات قادت لنقاط أكثر إثارة..
رابعاً: إذا تجاوزنا دلالة توقيت الحوار، فإن مكان اللقاء افتقد إنطباع الرسمية، بل أكثر من ذلك، واللقاء مع المسؤول الأول للبلاد ودون لوحة خلفية وتحت سلم، كأنما يهم بالمغادرة أو مجرد لقاء صدفة، ومع إهمال البرهان لحسن (الهندام)، كل ذلك خصم على الصورة الذهنية للبرهان..
خامساً: غياب التفاعل والمشاعر، لم نحس بغصة وهو يأسف ويحزن، ولا بريق عين وهو يقترح ويبادر ولا صرامة وهو يؤكد ولا شعاع امل وهو يبشر بالعبور، حديث فحسب..
(3)
اما محتوي الحوار، فإنه إستمرار لذات مواقف ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م مع بعض الدفوعات حول قضايا مستجدة ، فقد حدد البرهان سقف التوافق في نقاط اربع، حكومة كفاءات وطنية مستقلة، وتوافق وطني أو حوار واسع، وتعديل الوثيقة الدستورية وإجراء الإنتخابات، وقد أسقط عنها : الإهتمام بمعاش الناس، وهذا جزء من نهج السلطة الراهنة وحكومتها السابقة، فكل إهتماماتهم إدارة الصراع بينهم، ومع ذلك لم يخلو اللقاء من إشارة لاطراف أخرى وخاصة المجتمع الدولي، والحديث عن سقوط قتلي في المظاهرات والتشكيك بوجود (جهة تمارس القتل وتتاجر بالموت) هو إمتداد لذات موقفه الخفي (لن يحكم السودان حزب عقائدى)، فأكثر من إشارة تم التلويح بها لليسار، و إشارة واضحة للتيار الإسلامي والوطني وهو يتحدث عن إستمرار إزالة التمكين ومراجعة أحكام (القضاء)..
َلقد كانت شروط المجتمع الدولي والبعثات الدبلوماسية (قللوا من مقابلة التظاهرات بالعنف حتى نتمكن من التعاون معكم)، و التركيز على هذه القضية ينطلق من هذه النقطة.. أضف لذلك تكرار التنحي عن السلطة والزهد فيها..
ومن بين (مناوشات أطراف قحت) ضاع الحديث عن السلام والترتيبات الأمنية وشركاء السلام، مع ان إتفاقية السلام بجوبا تعتبر منعطف مهم في إحداث تغيير المشهد السياسي وهم أكبر حواضن البرهان اليوم..
لقد كان حرياً بالبرهان ان يفتح صفحة جديدة، يخاطب بها جموع شعبه ووطنه واريافه المنتجة وقطاعاته الحية، ولكنه أختار ان يركن لحلفاء الأمس وينصت لهمس السفارات.. هذا بعض ما لمسنا من الحوار..
د. ابراهيم الصديق علي
الحوار تناول الازمة السياسية العميقة و آفاق الحل و لكن مشاكل المعيشة ما هي إلا افرازات لهذه الازمة و يستحيل حلحلتها في ظل انقلاب البرهان و هو و شركاء الانقلاب تأكد لهم ذلك و بدأوا في رحلة البحث عن مخرج سياسي..و فعلا من الضيافة مناقشة غلاء الخبز و أزمة المواصلات في ظل اختناق سياسي و قتل مجاني للشباب في الطرقات.
اصلا العساكر ديل مصنوعين وماعندهم فهم حتي الكلام مجهز لهم والأفكار برضو جاهزه من الخارج