مقالات متنوعة

“أصحاب.. ولا أعز”.. خسوف القمر و”كسوف” منى زكي

إبراهيم حاج عبدي

انتفض ”حراس القيم“ و“فقهاء الظلام“، مرة أخرى، للدفاع عن أخلاقيات وتقاليد المجتمعات العربية المحافظة، في وجه أسرة فيلم ”أصحاب ولا أعز“ للمخرج اللبناني وسام سمَيْرة، الذي زلزل تلك التقاليد الراسخة بـ“كيلوت“ مريم (منى زكي)، وتجسيد شخصية ربيع ”المثلي“ والتي قام بأدائها (فؤاد يمين).

ثلاثة أصدقاء مع زوجاتهم، إضافة إلى ربيع، يجتمعون على طاولة عشاء في بيت الزوجين وليد (جورج خباز) ومي (نادين لبكي) التي تقترح لعبة مسلية تتزامن مع خسوف القمر في تلك الليلة العاصفة بالأسرار. تقضي اللعبة بوضع الهواتف على الطاولة واشراك الجميع في أي مكالمات أو صور أو رسائل صوتية قد ترد إلى أحدهم. بعض المعترضين على اللعبة ينصاع أخيرا أمام الرغبة الملحة للبعض الآخر

وهنا تتوالى الأسرار القابعة خلف ركام من ”البرستيج“ والمجاملات، وتنكشف دواخل شخصيات ”المجتمع المخملي“ عبر اتصالات طارئة غير متوقعة، فزياد (عادل كرم) يخون زوجته مع مي زوجة صديقه وليد الذي نكتشف، أيضا، أنه يزور طبيبا نفسيا دون البوح بذلك، وشريف (إياد نصار) ينتظر صورا خليعة من عشيقة سرية يتسلى بها للتغلب على رتابة حياته الزوجية، ومريم تتواصل مع ”معجب فيسبوكي“ وتتحدث معه عما يشبع أنوثتها المغيبة مع زوج لا مبالٍ، وجنى (دياموند بو عبود) لا زالت تتواصل مع خطيبها السابق رغم زواجها، وصولا إلى الاكتشاف، الأكثر إيلاما، وهو أن ربيع، صديقهم الأكاديمي الوقور، ”مثلي الجنس“.

الهجوم الحاد على الفيلم وعلى منصة ”نتفليكس“ التي انتجته، ركز على ”كيلوت“ منى زكي، وعلى ظهور شخصية المثلي، إلى الدرجة التي دفعت أحد المنابر إلى كتابة عنوان صارخ وساخر: ”كيلوت منى زكي هز العالم العربي“، فيما انبرى محامون مصريون لرفع دعاوى ضد الفيلم الذي ينافي الأعراف المصرية، وفق دعاويهم، بينما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتعلقيات غاضبة يعز أن نجد مثيلا لها حيال مشاهد الفقر والنزوح واللجوء وصور الدماء والقصف والخراب الذي يعم العالم العربي.

وكي لا نتوه في مقارنات بين حكاية الفيلم وهموم العالم العربي، نعود للقول إنه وفي كل مرة يثار جدل حول عمل درامي نضطر إلى الاستعانة بالبديهيات التي تقول إن تجسيد شخصية ما على الشاشة لا يعني الترويج لها، فالأفلام العربية تعج بشخصيات المجرمين والقتلة واللصوص والإرهابيين والمرأة المومس والتاجر الجشع والسمسار الانتهازي والمرابي البخيل وووو، فهل ظهورها في عمل يعني الترويج لها؟ بالطبع لا، وهذه البديهية تنطبق على فيلم ”أصحاب ولا أعز“، ما يعني أن ظهور شخصية ”المثلي“ لا يحمل أي تأويل سوى أنه نموذج من الحياة، على ندرته، ولا يغير من الواقع شيئا ظهوره في العمل من عدمه.

علاوة على ذلك، فإن مواقف أبطال العمل حيال معرفة حقيقة صديقهم المثلي لا توحي بأي ترويج أو تسامح معه، بل ثمة رفض واستنكار ودهشة من هذه الحقيقة الصادمة التي كانت غائبة عنهم لسنوات.

أما فيما يتعلق بمريم (منى زكي)، فاللافت أن مخرج الفيلم، الذي ينبه بأن مشاهدته متاحة لمن هم فوق سن الـ 12، بدا حريصا على عدم إظهار ”جسد الأنثى“، على النحو الذي تجلى في نسخ الفيلم الإيطالي والفرنسي والإسباني، رغم أن السياق الدرامي يتيح له ذلك، على عكس أفلام سرعان ما تقود المشاهد إلى الشواطئ والمسابح و“البارات“ وغرف النوم، دون أي مبرر فني، بل فقط لإثارة الغرائز و“تسليع الأنوثة“.

أما حجة المهاجمين في أن الفيلم يحوي كلمات بذيئة، فهذا أيضا يسجل لصالح الفيلم، فلئن كانت الدراما التلفزيونية صارمة في فلترة الحوار، بحيث لا يسمح بتمرير أي كلام ”بذيء“ قد يخدش الحياء، فإن السينما لا تأبه لمثل هذه الشروط، بل تعكس الواقع بأكبر قدر من المصداقية، ومن الطبيعي، والحال كذلك، أن نسمع كلاما بذيئا، في هذا الفيلم وفي أي فيلم آخر، تماما كما يحصل في أي مشاجرة تحدث على أرض الواقع.

على المستوى الفني بدا الفيلم مقنعا، ومنفذا بسيناريو متقن، فهو يقدم وجبة سينمائية مسلية، خفيفة الظل، مصاحبة ببعض التشويق والترقب، الذي يجعل المشاهد متاهبا لمعرفة كل جديد طوال مدة الفيلم (نحو 100 دقيقة) فالطبيعة البشرية، فضولية بالفطرة، وهي ترغب في التلصص على خفايا قصص الآخرين، وما يدور خلف الأبواب المغلقة، وهو ما يحققه هذا الفيلم بأقل قدر من التكلف أو المبالغة، حتى أن مواقع التصوير تكاد تقتصر على ”لوكيشن“ واحد وهو طاولة العشاء ومحيطها، إذ تتنقل الكاميرا بسلاسة بين الوجوه وتترصد ردود أفعال الشخصيات المتأرجحة بين البهجة والمرح والرضا والغضب والتهكم والتسامح والرفض…وذلك تبعا لتوالي ”الاعترافات القسرية“ عند كل رنة هاتف، لتتشابك حبكة الفيلم وتتقاطع خيوطها وصولا إلى النهاية التي تعيد ترتيب كل ما تهدم، وكأن شيئا لم يكن.

ولا بد من الإشارة إلى أن منى زكي، التي تعرضت لأكبر قدر من التهجم، قدمت أداء عفويا أظهر مقدار اتقانها لشخصية الزوجة التي بدت رقيقة كالنسمة لكنها سرعان ما تحولت إلى بركان عاصف، وهو ما أعاد إلى الأذهان دورها المدهش في مسلسها الأخير ”لعبة نيوتن“، كمان أن الفنان المسرحي اللبناني جورج خباز، أثبت جدارة في تجسيد شخصية الطبيب المغلوب على أمره والمتصالح مع الحياة رغم آلامها النفسية، ومثل هذا الأمر ينطبق كذلك على عادل كرم والأردني إياد نصار ونادين لبكي ..الذين أظهروا تناغما تمثيليا محببا.

كلمة أخيرة، قد لا يكون المجتمع العربي بهذا الانفتاح، لكن لا أحد ينكر بأن ثمة شريحة تعيش على هذا النحو من الأريحية والتصالح مع الذات والمجتمع، وتنظر للأمور بعقل منفتح، وهذه الشريحة، بالضبط، هي التي يتناولها الفيلم الذي يعري كل شيء عند انتهاء خسوف القمر، وظهوره، من جديد، مكتملا مشعا، وما على ”حراس المبادئ“، سوى أن ينظروا حولهم ليعروفوا أن ما نقله الفيلم هو مجرد غيض خفيف من فيض مثقل بالهموم والمآسي والخيبات.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

إرم نيوز

تعليق واحد

  1. ويعنينا فى شنو الموضوع ده !!!! قيح وعفن لايلزم ان تدرك انه موجود او غير موجود فى الحياة الفعلية وتجسده فى فيلم الا ان كنت على نفس الشاكله واردت الترويج له فى اوساط الخلق وان تعود اذانهم وعيونهم عليه … حتى تشيع الفاحشة