اقتصاد وأعمال

الأجور .. مُعادلة صَعبة!!

الأزمة الاقتصاديّة الطَاحِنَة التي تُعاني منها البلاد منذ زمنٍ ليس بالقليل، ظهرت آثارها في تآكل القوة الشرائية للرواتب وأصبح الحديث عن زيادة الأجور أسطوانة تتكرّر كل عام دون أن تجد مستجدات خاصة في ظل الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، حيث أصبح هنالك فارقٌ كبيرٌ بين الدخل الشخصي والأوضاع المعيشية على الرغم من اعتراف كافة الحكومات بتلك المشكلة، إلا أن الحل بات بعيد المنال مع فقدان المواطن الأمل خاصة ذوي الدخل المحدود.

وبالأمس، كشف وزير المالية د. جبريل إبراهيم عن رفع الحد الأدنى للأجور لـ(١٢) ألف جنيه، وبشّر بزيادات كبيرة في المرتبات بالموازنة الجديدة.

وقال جبريل في حديث للإذاعة السودانية إن الموازنة الجديدة هي موازنة موارد حقيقية ذاتية تم وضعها بحساب عدم وجود منح، مبيناً أنها ميزة لم تحدث من قبل، وقطع جبريل بوجود ترتيبات لضمان عدم ابتلاع السوق للزيادات التي ستطرأ على المرتبات، وأشار الى أن الموازنة ركّزت على تحسين معاش المواطن ورفع أجور العاملين، واستقرار سعر الصرف وانخفاض التضخم والعودة إلى الوضع الطبيعي.

جشع التجار

واستنكر عددٌ من المواطنين، السِّياسات التي تتبعها الحكومة لمُعالجة الأوضاع المعيشية الصعبة وتجاهل دورها وترك الأسواق لجشع التجار. وقال محمد موظف في إحدى المؤسسات الحكومية بالخرطوم، أبٌ لخمسة أطفال ويسكن في غرب أم درمان، قال لـ(الصيحة) راتبي الحالي لا يكفي المواصلات، فكيف يكفيني حتى نهاية الشهر؟ وأبان أن الأجور الحالية اصبحت عاجزة عن تلبية احتياجات ثلاثة ايام للأسرة! وعلق قائلاً: من أين لي أن أغطي هذا العجز في ظل الارتفاع الكبير المستمر والتضخم الذي يتجاوز40%؟ وقال إن الراتب لا يسمح بتوفير مكونات قُفة الملاح الأساسية في ظل ارتفاع أسعار السلع الضرورية بشكل يومي، واوضح ان الحديث عن زيادة الرواتب في ظل الارتفاع في الأسعار لا معنى له، وطالب الحكومة بخلق استقرار اقتصادي وكبح جماح الدولار حتى لا يبتلع السوق اي زيادات، كما حدث إبان الزيادات التي نفذها وزير المالية السابق ابراهيم البدوي!!

تكرار الفشل

في ذات السياق، انتقد الخبير الاقتصادي المصرفي عبد الله الرمادي، زيادة الحد الادنى للأجور من ثلاثة آلاف الى ١٢ الف جنيه اعتباراً من راتب فبراير، وقال إنه إمعان في ارتكاب الخطأ وتجريب المجرب الفاشل، وقد فعلها من قبل د. إبراهيم البدوي رغم تحذيرنا له وقتها وكانت فضيحة، والآن يعاد تكرار المجرب الفاشل!

هشاشة الوضع

ويضيف الرمادي قائلاً: الاقتصاد الآن يُعاني من هشاشة الوضع السياسي الذي تولّدت عنه هشاشة في الوضع الأمني وهذا جعل كثيرا من رؤوس الأموال المحلية عوضاً عن الأجنبية تتوقّف، وأردف: (لا نعشم أن يأتي مستثمر للبلاد في مثل هذه الظروف، الآن رأس المال السوداني بدأ يهرب عبر بيع الأصول من عربات وعقارات والكُل يُريد التخلُّص من الأصول وتحويلها إلى دولار لاستلامها بالخارج وهذا ساهم في رفع الأسعار).

تفاقُم المشكلة

ودعا الرمادي، الجهات الرسمية بأن تكون صادقة في توفير الإحصائيات بإعداد المُستثمرين السودانيين ورجال الأعمال الذين هربوا برؤوس أموالهم إلى دول أخرى مثل تركيا ومصر وإثيوبيا وإقامة مشاريع كبيرة بتلك الدول لأكثر من (200) مشروع، وقال: “كل هذا كان يجب أن يكون لدى الشعب السوداني، بينما الكساد يعم القطاع الصناعي وأغلقت المصانع السودانية إن لم تكن كلياً نتيجة للركود”، مضيفاً بأن القطاع الصناعي ما لا يقل عن 90% منه مُتوقِّفٌ إما كاملاً أو أن استغنى عن بعض خطوط الإنتاج وهذا له تبعات على الاقتصاد بأن يفقد أعداداً كبيرة من العاملين بفقدان مصدر دخلهم، وبالتالي تزيد نسبة العطالة وكل ذلك يُفاقم المشكلة الاقتصادية.

** تآكل القُوة الشرائية

وقال الرمادي: في ظل هذا الجو السائد من عدم الاستقرار السياسي والذي أفضى إلى عدم استقرار أمني أثّر سلباً في العمليات الإنتاجية كل هذا جعل حصيلة الدولة من عدم المقدرة لاستيراد كميات إضافية، وهذا يعني حصيلة وزارة المالية من الإيرادات عبر الجمارك تراجعت كثيراً، وجعلت الحكومة عاجزة عن توفير رواتب العاملين، وبالتالي الحركة أُبطأت بالحركة التجارية بسبب تآكل القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود من أصحاب الرواتب بالقطاعين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم للأسرة، والبعض منهم بدلاً من توفير ثلاث وجبات أصبح لا يستطيع أن يوفر وجبتين وهذا يدل على أن الطلب على هذه السلع قَلّ، وبالتالي أرباح الضريبة التي تُورد لوزارة المالية ضمرت كثيراً وأصبحت الدولة عاجزة عن التزاماتها، وبعض أستاذة الجامعات لا يستطيعون استلام رواتبهم لمدة أربعة أشهر، ووصف الرمادي ذلك الوضع بالمُخل!!

وأضاف هذا الشح والفوضى سياسياً وأمنياً، انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي وجعلت هناك تخبطا في المواسم الزراعية وعدم الوفاء لاحتياجات الموسم الزراعي، مما أفقد البلاد أكثر من موسم، وأضاف: بعض أساتذة الجامعات لا يستطيعون استلام رواتبهم إلا بعد أربعة أشهر وهذا وضع مُخلٌ وحذّرنا منه.

** الجمود الاقتصادي

وقال الرمادي، هذا العجز ترتّب عنه كميات الصادر التي تستجلب العملات الأجنبية، كل هذه عوامل مباشرة، ومازال السياسيون يتصارعون فيما لا جدوى منه حول مُحاصصات الكراسي وغيرها، وقال إن هذا الأمر يشكل انهياراً اقتصادياً سوف ينتهي بعد قليل من مرحلة الكساد ونحن في آخرها، إلى الجمود الاقتصادي!!

**دراسة مُتعمِّقة

واقترح الرمادي بأن تكون هناك زيادة في الأجور مبنية على دراسة مُتعمِّقة،

وتمرحل الزيادة ولا تكون دفعة واحدة، ويتم ذلك حسب تحديد الدراسة، ولا تقدم الزيادة نقداً، بل في شكل سلع استهلاكية ضرورية عبر التعاونيات بمراكز العمل والأحياء السكنية، وليس هذا بعسير ولن يحدث أثراً تضخمياً يبتلع الزيادة كما هو في الحالة المُقترحة.

** تغيير السياسات

وأجمع المراقبون على أن زيادة الرواتب لا تتجاوز كونها مُحاولة لتغطية جزء من التآكل في الرواتب، مشيرين إلى أن حل المشكلة ليس في زيادة الأجور، بل في تغيير السياسات المالية والنقدية المُتّبعة، خاصة وأنّ زيادات الأجور السابقة لم تُحل مشكلة الارتفاع المستمر في الأسعار، بل زادت الأمر سُوءَاً!!!

الخرطوم: سارة إبراهيم عباس
صحيفة الصيحة