منى أبوزيد تكتب : فن المُمكن..!
“عليك أن تكون أنت التغيير الذي تريده للعالم”.. المهاتما غاندي..!
في كتابه “البحث عن الذات”، استعرض الرئيس المصري الأسبق أنور السادات براعته في توظيف علاقاته الشخصية ونجاحه في ضمان تعاطُف الرأي العام الدولي مع مبررات دعوته لقيام حرب “73”، مدللاً – بذلك – على دور مواقفه الاستباقية في تحرير ما اغتصبته إسرائيل..!
أهم العروض المُضمّنة في الكتاب تقول إنه – وقبل أن يصبح رئيساً للدولة – كان ينتقد طريقة سلفه عبد الناصر في تصنيف مواقف مصر من الدول العربية على أساس مبدأ التقدمية والرجعية، وإنه كان يتحفّظ على مواقف حكومته من تلك الحكومات على أساس انطباعات وقناعات عبد الناصر الشخصية..!
بدأ تنفيذ استراتيجيته الخاصة بفنون الاتصال – مبكراً – فأنشأ صداقات طيبة مع معظم القادة على أيام عبد الناصر، وعندما خلفه في رئاسة الجمهورية كان آل صباح في الكويت يعتبرونه فرداً من العائلة، وكان صديقاً للملك فيصل، وصديقاً لشقيق الرئيس “اللبناني” آنذاك، وصديقاً مُقرّباً من ملك المغرب، وكذلك الحال – حتى – في تونس والجزائر، لأنه كان قد قرّر أن ينأى بنفسه عن حساسيات عبد الناصر وبو مدين وبو رقيبة..!
وقد أنزل الرجل أفريقيا منزلتها، فكانت النتيجة أن مؤتمر الوحدة الأفريقية الذي عقد في أديس أبابا قبيل المعركة، انتهى بصدور قرار واضح بإدانة إسرائيل، ثم قطعت معظم الدول الأفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل..!
بعدها حرَّض السادات الرئيس سليمان فرنجية على الدعوة إلى اجتماع مجلس الأمن بعد اغتيال إسرائيل لثلاثة من الزعماء الفلسطينيين في قلب بيروت، ثم وفي أثناء الجلسة فُوجئ الجميع بمصر السادات تطرح ملف الشرق الأوسط..!
ثم ألقى الرجل، خطاباً مؤثراً في اجتماع دول عدم الانحياز، قبيل المعركة، أكد فيه على أنه لا مفر من الحرب على إسرائيل، وهيأ الجميع لوقوع الحرب، وهكذا كان قد كسب في صفه – قبل ثلاثة أسابيع من وقوع المعركة – مؤازرة أكثر من مائة دولة..!
مؤكد أن الذي كسبته مصر من علاقات السادات أولى وأبقى من الذي جنته من “محامرات” عبد الناصر ومواقفه ذات الزوايا الحادّة. أبهى صور الندِّية الاستراتيجية مع إسرائيل كانت حاضرة في عهده – على الأقل على مُستوى الحضور الفاعل والكلمة المسموعة – لحاكم يتقن علوم الاتصال وبث الرسائل القادرة على توجيه دفة القرار السياسي..!
الملكات الشخصية للحكام فنٌ تاريخيٌّ يستمد مشروعيته الكاملة من الإلمام الكافي بعلوم وفنون العلاقات السياسية، لكنه – عندنا – نشاط ذهني مهمل، إن لم يكن مُعطّلاً تماماً. فاهتمام الشخصيات الحاكمة – في مجتمعنا – بفنون الاتصال السياسي، مُوجّهٌ فقط لاستلاب الشعوب، ومُكرّسٌ بأكمله لضمان ولائها. أما السعي الحثيث لإقناع الآخر بقامتنا وقيمتنا – حكومةً وشعباً – على المسرح الكوني، فمحفوفٌ بإشكالات منهجية، أولها عشوائية الطرح، وأولاها فوضوية التلقي، وأنكاها ردود الفعل ذات الزوايا الحادّة..!
صحيفة الصيحة