تحقيقات وتقارير

السودان: نتائج عكسية لقتل المتظاهرين

7 ضحايا جدد انضموا، أمس الأول الإثنين، إلى حصيلة القتلى على يد العسكر في الاحتجاجات التي يشهدها السودان منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تاريخ وقوع الانقلاب العسكري، لتصل الحصيلة منذ ذلك التاريخ إلى 71 قتيلاً وأكثر من ألفي مصاب من المتظاهرين.

وعلى الرغم من تصاعد القتل الذي يمارسه الأمن السوداني، والتصفيات بالرصاص الحي، لا يزال الشارع السوداني مصراً على استكمال حراكه حتى الوصول إلى بناء دولة على أسس ديمقراطية مدنية.

وتكشف الإصابات التي يتعرض لها المتظاهرون ضد الانقلاب العسكري عن الرغبة في القتل وليس مجرد تفريق التظاهرات والمتظاهرين. ففي مليونية 17 يناير، الإثنين الماضي، لقي 7 من المتظاهرين مصرعهم.

وطبقاً للتقارير الطبية الصادرة عن لجنة الأطباء المركزية، فإن 5 منهم قتلوا نتيجة إصابتهم بالذخيرة الحية في الحوض، بينما قُتل اثنان بطلقين ناريين في الصدر. وحتى الإصابات الأخرى لمن بقي على قيد الحياة والتي وصلت إلى 200، كانت الغالبية العظمى منها بالرصاص الحي في الرأس والصدر والبطن والظهر، وقليل منها أسفل الركبة.

عنف مفرط تجاه المتظاهرين السودانيين
وقال المتظاهر فخر الدين عبد الواحد، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “خرجنا في موكب 17 يناير ونحن مؤمنين تماماً بالسلمية التي رفعناها منذ انطلاقة ثورة ديسمبر”، لكنه لفت إلى أن الموكب “قوبل منذ انطلاقه بعنف مفرط، واستمر الموكب إلى أن وصلنا لموقف شروني، وهنا بدأ الغدر بظهور قوات ترتدي زي الشرطة مع وجود عدد كبير من أفراد لا يرتدون أي بزات عسكرية، وهؤلاء تحديداً كانوا مسلحين”.

وأضاف: “بدأ إطلاق الرصاص الحي عند الثالثة والنصف عصراً بعدما غطوا المكان بعبوات الغاز التي حجبت الرؤية تماماً عن الثوار”، ولفت إلى أنه شاهد “ضابطاً واثنين من أفراد الاحتياطي المركزي وهم يصوبون بنادقهم نحو الثوار، وعندما يطلق هؤلاء النار يقع أحد الثوار شهيداً”، متابعاً “تعرضنا لوابل من الرصاص الحي والمطاطي من بعض القوات التي لا ترتدي زياً رسمياً وملثمين”.

وصل عدد القتلى من المدنيين إلى 71 منذ 25 أكتوبر إضافة إلى أكثر من ألفي مصاب

وبلغت حصيلة ضحايا الحراك منذ انقلاب 25 أكتوبر 71 قتيلاً، وما يزيد عن ألفي مصاب، في التظاهرات الساعية لإرغام العسكر على التنحي وتسليم السلطة للمدنيين.

وقالت لجنة أطباء السودان المركزية إن 28 من القتلى تعرضوا لإصابات مباشرة بالرصاص في الرأس، و6 في العنق، 22 في الصدر، و4 في البطن، و5 إصابات بالذخيرة الحية في منطقة الحوض، فيما لقي 4 حتفهم بإصابات بعبوات الغاز المسيل للدموع سواء في الرأس أو الصدر أو الحوض، واثنان قُتلا نتيجة الضرب المبرح.

وكانت التظاهرات قد بدأت في العاصمة الخرطوم والأطراف، كشارع الستين، شرق الخرطوم، وشارع الأربعين بمدينة أم درمان، غرب العاصمة، وتقاطع المؤسسة في الخرطوم بحري، لكنها خلال الأسابيع الماضية تحوّلت جميعها إلى وسط الخرطوم، وحددت وجهتها إلى محيط القصر الرئاسي.

تخويف الشعب السوداني لوقف حراكه
وتنفي الشرطة السودانية في بياناتها، وآخرها أمس الأول الإثنين، استخدامها القوة المميتة تجاه التظاهرات التي تقول إنها اتسمت بالعنف المنظم، واستخدام المولوتوف، وتكتيك أشبه بالعسكري.

وتزعم دوماً تعاملها مع الموقف بأقل قدر من القوة القانونية، خصوصاً مع محاولات التعدي على أقسام الشرطة وقواتها، مشيرة إلى أنها تستخدم فقط الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.

لكن أيمن سعيد، مسؤول قسم الإصابات في مبادرة “حاضرين”، وهي مبادرة طوعية معنية بتقديم الدعم بأشكاله المختلفة لمصابي الثورة السودانية، قال إن القوات النظامية تستخدم العنف المفرط تجاه المتظاهرين السلميين، وتتسبب لهم بإصابات لا تدل بأي حال من الأحوال على رغبتها في تفريق التظاهرات، إنما إحداث إصابات مميتة، وبعضها يقود إلى الإعاقات الدائمة.

وأوضح سعيد في حديث لـ”العربي الجديد”، أن نحو 2000 متظاهر أصيبوا منذ وقوع الانقلاب في أكتوبر الماضي، وأن 7 أشخاص تعرضوا للشلل التام و3 تم استئصال عيونهم، بينما سُجلت 7 حالات بتر لليد أو الإصبع أو الرجل، فيما فقد 8 مصابين أجزاء من أعضاء حيوية، مثل الكبد أو الطحال أو الكلي.

مواقف دولية غاضبة من استخدام العنف ضدّ المتظاهرين في السودان
من جهته، قال عضو لجنة أطباء السودان الجديد الدكتور محمد نقد، لـ”العربي الجديد”، إن كل التقارير الطبية تنفي مزاعم الجهات الرسمية، مؤكداً أن أي طلقة تُطلق بوضع أفقي باتجاه الحشود لا تعني مطلقاً أن المقصود بها تفريق موكب أو تعطيل عمل تخريبي، إنما حتماً ستصيب واحداً من الناس، وهو عمل مقصود ومتعمد وبقنص احترافي.

وأشار إلى أن غالبية الوفيات ناتجة عن إصابات في الرأس أو الصدر، أو منطقة الحوض، أو الأعضاء التناسلية.

وأكد نقد أن العنف المتزايد ضد المتظاهرين السلميين يعيد المدرسة الأمنية من دون تجديد مناهجها ومن دون الاستفادة من تجربة سابقتها، معتبراً أن الغرض النهائي هو تخويف الشعب السوداني ليتوقف عن حراكه.

وجزم أن تلك الممارسات الأمنية لن تنجح في غايتها، لأن الخروج إلى الشوارع الآن ليس ضد زيادة أسعار ولا بحثاً عن تخفيف أعباء المعيشة، إنما هو خروج وجودي لبناء دولة على أسس ديمقراطية مدنية، ومن المستحيل على الثوار التنازل عن تلك المبادئ والقيم مهما كانت الأثمان والتضحيات، على حد تعبيره.

شكّل البرهان، أمس الثلاثاء، لجنة تحقيق حول أحداث 17 يناير

وشكّل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أمس الثلاثاء، لجنة تحقيق بشأن أحداث 17 يناير. وسبق للنيابة العامة أن شكّلت لجنة تحقيق مماثلة للتحري بشأن ما حدث من وفيات ما بعد انقلاب 25 أكتوبر. كما شكّل رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك لجنة للتحقيق بشأن حادثة فض اعتصام محيط قيادة الجيش عام 2019، إضافة للعشرات من لجان التحقيق.

ورأى المحامي والناشط السياسي طارق الياس أن تشكيل مثل هذه اللجان يمثل محاولات بائسة لتغطية العار، فلم تصل لجنة واحدة منها إلى نتائج تذكر، مضيفاً أن لجنة البرهان الأخيرة سيكون شأنها مثل الأخريات وستبقى فقط في الأضابير.

ولفت الياس، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن المواكب والتظاهرات يتم الإعلان عنها قبل وقت كافٍ، ما يوجب على الشرطة وكل القوات النظامية اصطحاب وكيل نيابة، كما ينص قانون الإجراءات الجنائية، على أن تكون مهمة وكيل النيابة إعطاء الأوامر للقوات باستعمال القوة وفق تقديراته، وهذا ما لم يحدث في الوقت الحالي.

وأضاف الياس أن القانون نص في حال استعمال القوة على أن تكون دفاعاً عن النفس فقط، أو دفاعاً عن ممتلكات عُرضة للخطر، كما نص على أن إطلاق الرصاص في حال الدفاع عن النفس في أماكن غير مميتة نتيجتها تؤدي لترجيح الوفاة.

ونبّه إلى أن القوة يتم استعمالها في حد ذاتها بالتدرج، وحسب ما هو متعارف عليه، وتابع “من غير الجائز أن يرميني شخص بحجر وأرد عليه بإطلاق الرصاص”، ولفت إلى أنه في حال حدوث وفاة تتعرض الشرطة للمساءلة وفق نصوص القانون الجنائي السوداني، بالمادة 130، على أن تقرر المحكمة بعد ذلك ترجيح البينات والمسؤولين عن الفعل المجرّم.

وأضاف الياس أن ما تقوم به الأجهزة الأمنية هذه الأيام مخالف تماماً للقانون ويعرّض أفرادها للمساءلة والمحاسبة الفردية، وكشف أن بعض الجنود والضباط ممن يدركون القانون رفضوا منذ الأيام الأولى للانقلاب العنف المفرط تجاه المتظاهرين، ورفضوا حتى حمل السلاح أثناء وجودهم ضمن القوات المكلفة بالتعامل مع التظاهرات.

عصيان مدني شامل
لكن على الرغم من تصاعد وتيرة القتل، فإن الشارع السوداني لا يزال مصراً على حراكه لتسليم السلطة للمدنيين.

وفي هذا الصدد، وبعد دعوة قوى الحرية والتغيير، الإثنين، إلى عصيان مدني شامل لمدة يومين، اعتباراً من أمس الثلاثاء، رداً على مجزرة 17 يناير، دخل أطباء سودانيون، أمس، في إضراب عن العمل عن الحالات الباردة، وانسحب آخرون من المستشفيات التابعة للجيش والشرطة والأمن.

وحث بيان مشترك لـ7 أجسام نقابية طبية جميع القطاعات على المشاركة بقوة في العصيان المدني رفضاً واستنكاراً لقتل الثوار السلميين، وفتح الطريق أمام الحركة الجماهيرية لاقتلاع السلطة الانقلابية.

وقال الطبيب عبد القادر محمد، لـ”العربي الجديد”، إن نسبة استجابة الأطباء وغيرها من القطاعات الطبية ستكون الأعلى من بين كل القطاعات، لأن شريحة تدربت على مثل تلك الأدوات في مقاومة الانقلابات العسكرية، وأبدى خشيته من فشل العصيان في قطاعات أخرى، خصوصاً مع تراجع الأوضاع المعيشية في البلاد، ما يمنع كثيرين من المشاركة لأنهم يحصلون على أرزاقهم من عمل يومي.

وفي جولة لـ”العربي الجديد”، لاحظت استجابة جزئية لدعوات العصيان، بانخفاض محدود في حركة السيارات في شوارع الخرطوم، وإغلاق عدد من المحلات التجارية أبوابها، فيما بقيت الأسواق تعمل بصورة شبه طبيعية. بينما نشرت لجنة الصيادلة صوراً لصيدليات أغلقت بالكامل واعتبرتها بداية “بينما البشريات قادمة”، حسب ما ذكرته اللجنة في صفحتها على “فيسبوك”.

كما دعا الاتحاد المهني لأساتذة الجامعات إلى وقفة صلبة ضد الظلم والقتل بالإضراب السياسي والعصيان المدني. وطبقاً لشهود عيان، فإن عدداً من الأساتذة امتنعوا عن الذهاب لأماكن عملهم.

من جهتها، أقامت لجان المقاومة متاريس على الطرق في الأحياء، كما خرجت تظاهرات لطلاب الثانويات بمنطقة شمبات، شمال الخرطوم، وهتفت ضد قادة الانقلاب.

وطلبت اللجنة التسييرية للمحامين السودانيين من أعضائها عدم التوجه للمحاكم استجابة لدعوات العصيان. ونشر محامون صوراً لهم مع لافتة كتب عليها “مضرب”.

وأوضح المحامي معز حضرة، متحدثاً لـ”العربي الجديد”، أن العصيان وجد استجابة كبيرة في صفوف المحامين، وحتى الذين ذهبوا للمحاكم أمس طلبوا تأجيل القضايا التي يشرفون عليها.

وأشار إلى أن العصيان المدني جزء من الأدوات السلمية المجربة التي استخدمها الشعب السوداني منذ عهد الاستعمار مروراً بالديكتاتوريات العسكرية، ونجحت من قبل من إسقاطها وقهرها، وستنجح مجدداً في هزيمة الانقلاب العسكري الحالي، مبيناً أن حالة الغضب والحزن التي انتابت الشعب دفعت حتى الذين وقفوا على الرصيف منذ الانقلاب للانضمام إلى صفوف المقاومة.

قيادي في الحرية والتغيير: المقاومة مستمرة ضد الانقلاب، وستنوع تكتيكاتها وأساليبها

وعن ذلك، شدد القيادي في تحالف الحرية والتغيير شريف محمد عثمان، في حديث مع “العربي الجديد”، على أن المقاومة السودانية مستمرة ضد الانقلاب العسكري، وستنوع تكتيكاتها وأساليبها في الأيام المقبلة.

وأشار إلى أن محاولة البرهان التسويق لفكرة تشكيل لجنة تحقيق لن تجدي، خصوصاً أن القاتل في المجازر الأخيرة معروف وشاهده السودانيون يرتدي زي القوات النظامية.

ولفت إلى أن كل الطغاة في العالم يقرأون من كتاب واحد ويتوهمون أن العنف والكبت طريقهم نحو الخلاص من غضب الشعب، وذلك ما يتوهمه الانقلابيون في السودان حالياً، ويظنون أن القبضة الأمنية ستجهض حراك السودانيين، والذي لن ينتهي إلا بمحاسبة ومحاكمة الانقلابيين على الجرائم التي ارتكبوها منذ 25 أكتوبر.

وحول مدى تأثير العنف الأخير ضد المتظاهرين على الوساطة الأممية لتقريب وجهات النظر بين أفرقاء الأزمة في السودان، قال عثمان إن السودانيين لديهم مطالب واضحة بمدنية الحكم وعودة العسكر لثكناتهم، وهي مطالب لا تراجع عنها، وإذا تحققت عبر الوساطة فمرحباً بها، ومن دون ذلك فإن مناهضة الانقلاب مستمرة حتى سقوطه وتقديم قادته للمحاكمة.

عبد الحميد عوض

العربي الجديد

‫4 تعليقات

  1. انتوا تترسوا الشوارع وتعطلوا حياة المواطنين بالاكراه حتى تقولوا ان العصيان نجح ، انتم اخر من يحق له ان يدعوا الى ديمقراطية وعدالة لان فاقد للشيء لا يعطيه.

  2. طيب ليه ماذكرت الضحايا من يعد الثورة لحد25اكتوبر …فى زمن حمدوك مابيعتبروهم سودانيين وشهداء زي القتلوهم اليومين ديل ولا شنو… انصف الناس وخليك عادل ماتفرز الكيمان
    تبآ لكم ياقحاتة

  3. المدنية على جثث الشباب تباً لكم ولمدنيتكم العميلة (وعلى عمر السودان هذه المدنية فاشلة من الإستقلال الى الآن ولو قلتوا العسكر يتدخل عندما تفشلون ووتتنازعون ويجب ان يكون انقلاب عسكرى كارب عشان تدخلوا فى جحوركم