عثمان ميرغني يكتب وصفة مضمونة
كتبت كثيرا هنا وتحدثت في أكثر من وسيط اعلامي أن الحل الجذري لأزمات السودان ومعضلاته المزمنة يبدأ من نقطة مركزية جوهرية.. هي محور تدور حوله كل حلقات الفشل الوخيم الذي كابدته بلادنا خلال 66 سنة هي عمر الاستقلال.
نقطة البداية هي فصل أقدار المواطن من أقدار السياسة والساسة. ما للسياسة للسياسة وما للشعب للشعب.. والفكرة سهلة جدا وقابلة للتنفيذ ليبدأ منها مشوار الاصلاح الشامل في كل تفاصيل العمل العام.
الحكومة في بلادنا ليست مجرد جسم كبير مترهل بل هي أمنا وأبونا.. وفي الماضي عندما كان الهتاف المحبب للرئيس الأسبق جعفر نميري (أبوكم مين؟) وتررد الجماهير بقوة (نميييييري) مع مط الاسم ليتلاءم مع حالة التأكيد القاطع، كان هذا الهتاف يعكس المعنى الحقيقي للحكومة في مقابل الشعب.. الحكومة يقصد بها الطبقة السياسة الحاكمة في كل مستوياتها وقطاعاتها، السيادية والتنفيذية والسياسية، فهي التي تدير البلاد من قمة شعرها إلى أخمص قدميها بسلطة مطلقة، وكأني بالشعب مجرد ضيف ثقيل الدم في “بيت الحكومة” يأكل ويشرب ويغتسل و ينام ويتسلى من حر مال الحكومة التي تربيه وعياله وأسرته وتعالجه وتزوجه وان مات تدفنه وتتكفل بتكاليف العزاء.
ومن هذا الفهم والواقع الخاطيء كانت الحكومة تعتبر كل ما تقدمه للشعب صدقة محفوفة بالمن والأذى، فإذا شيد مواطنو قرية “سجع القماري” فصلا جديدا في مدرستهم التي بنوها من حر مال فقرهم المدقع فإن الحكومة ممثلة في رئيس الدولة – ان جاء به القدر زائرا- أو الوالي او المعتمد أو المدير التنفيذي أو أي مستوى مهما تدنى في الحكومة لا ينسى في كلمته أمام الجمهور الذي بالضرورة يقف في هجير الشمس بينما المسؤول الرسمي تحت ظل السرادق الذي أقامه المواطنون من حر مال فقرهم المدقع، لا ينسى أن يذكرهم بنعم الحكومة عليهم بما يستوجب الهتاف بحياة الحكومة بين كل جملة وأخرى.
بل حتى في موسم الانتخابات – شمولية كانت أو ديموقراطية- لا ينسى المرشح الذي يؤهل نفسه ليتحول من مقاعد الشعب ليصبح “حكومة” أن يعلن في برنامجه ان سيشيد للقرية مدرسة أو مركز صحي كأنما هي صدقة من حر ماله لروح والده لا من حر مال فقر شعبا المدقع.
فصل السياسة عن الادارة مفاهيما يعني أن يتمتع السادة الساسة بالاقامة المنعمة في القصر الجمهوري واطلالته الرائع على النيل الأزرق، فلا يحملوا هم معيشتنا ولا تربتنا ولا الأسعار مهما طفرت ولا الأحوال مهما ساءت فكل ذلك من صميم مهام أجهزة الخدمة المدنية ونشاط القطاع الخاص ولا علاقة له بالساسة ولا السياسة.
تنفيذ الفكرة لا يحتاج سوى ترقية “نظام تشغيل” الدولة السودانية تماما مثل ترقية نظم الكمبيوتر أو الموبايل وبقية الأجهزة الالكترونية عند توفر اصدارات جديدة.
كل المطلوب هو ترقية السوفتوير الذي يدير ماكينة البلاد، وأقصد به “التشريعات” التي تصدر من البرلمان لتعيد هيكل البلاد حتى تفصل الملعب السياسي والسيادي من الاداري.
التفاصيل متوفرة عندي لمن يرغب في المزيد.
صحيفة السوداني