أسعار الكهرباء .. انعكاساتٌ سلبيةٌ على الإنتاج والخدمات!!
ستواجه العديد من المهن والأعمال الحرفية المرتبطة بانتظام التيار الكهربائي، تبعات قاسية نسبةً لعدم استقرار التيار الكهربائي، فضلاً عن زيادة أسعار الكهرباء مع بداية العام 2022م، وما هو متوقع حسب المُعطيات ستمس التعرفة الكهربائية الجديدة، القطاعات الاقتصادية والخدمية الرئيسية كالقطاعات (التجارية، الصناعية، الفندقية، الزراعية والصحية) مما سيكون له أثر اقتصادي بالغ، علاوةً على استمرار برمجة قطوعات لما يزيد عن “8” ساعات خلال اليوم، حيث قُوبلت بسخط وتذمر واسع من قبل المواطنين والمُتعاملين في كافة مجالات العمل الحُر، الأمر الذي أدى إلى تراجع الإنتاج بشكل كبير، مما انعكس مباشرةً على محدودية ساعات العمل في الصناعات، وكذلك المهن الحرفية بمُختلف أنواعها، بل وزادت إثر ذلك عاصفة ارتفاع الأسعار التي عقّدت من صعوبة المعيشة على الفئة العاملة.
توقيتٌ غير مناسب
وبحسب تقديرات باحثين وخبراء في الاقتصاد، بأن الوقت غير مُناسب لزيادة أسعار الكهرباء لأنها ربما قد تؤدي إلى احتقانات واضطرابات في ظل مستويات الدخل المتدنية وزيادة نسبة البطالة والفقر، ونوه البعض إلى أن المواطنين سيُعانون الأمرين جراء ارتفاع فاتورة الكهرباء الذي يتزامن مع انتشار الفقر، وكذلك حالة الركود التضخمي التي يمر بها الاقتصاد السُّوداني.
زيادة بلا مُوازنة!!
يقول المحلل الاقتصادي د. وائل فهمي بدوي، إنّ المُوازنة العامة حتى تاريخه لم تتم إجازتها من قِبل مجلس وزراء ولم يتشكّل أعضاؤه بعد، ليُشكِّلا مع المجلس السيادي والمجلس التشريعي المؤقت، لتحويلها إلى قانون كما جرت العادة في ظل غياب المجلس التشريعي الأصل، وذكر وفقاً لمصادره بوزارة المالية لا علم للوزارة بهذا القرار الخاص برفع الدعم عن أسعار الكهرباء حتى تُجاز مع الإجازة المُرتقبة للموازنة العامة لتصبح قانوناً ولتصبح تسعيرة خدمة الكهرباء المُعدّلة في العام الماضي أيضاً مجازة، ويضيف لـ”الصيحة”: إن وزارة المالية نفت رفع الدعم عن الخُبز والكهرباء أواخر ديسمبر المُنصرم، ويرى أن إجازة رفع الدعم عن خدمة الكهرباء أو تحرير سعرها لتحرير الموازنة العامة من الدعومات لغير المستثمرين الأغنياء، فإنه بالطبع من جانب النظر لاستمرار توفير الخدمة بأسعار تضخمية، وأشار إلى جانب العرض والذي يُركِّز عليه دائماً النيوليبرال باستخدام النظرة الجزئية الضيقة، هذا بغض النظر عن حالة الطلب الكلي من جانب المُستهلكين بالسُّودان كمثال وحالتهم الاقتصادية المُزرية نتيجةً لسيادة التضخُّم الجامح الضاغط سلباً وبقوة على معاشهم اليومي والذي يُعيد توزيع الدخل القومي لمصلحة الأغنياء أصلاً، ويُؤكِّد تواجد مبررات موضوعية ومنطقية فرضت نفسها كأمر واقع بعد التحرير التضخمي لمُتغيِّرات اقتصادية كلية، معدداً منها تحرير سعر الوقود الذي تستهلكه هيئة الكهرباء وتحرير الجنيه السوداني وارتفاع تكاليف قطع الغيار والصيانة وارتفاع قيمة الديون الأجنبية لهيئة الكهرباء بالجنيه السوداني.
شروطٌ دوليّةٌ
وقال د. وائل، بغض النظر عن أنها أحد شروط مؤسسات بريتون وودز الأساسية لحصول الحكومة على إعفاءات الديون الخارجية للسودان، فقد تنبأت بها اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير في العام الماضي، وحذّرت بقوة من مخاطر الوصول لهذه النتيجة عند مناقشتها لموازنة العام 2020م وكأنها كانت تعيش لحظة وصول هذه الوحدة وغيرها من الوحدات المدعومة لهذا القرار، لفرض الأمر الواقع للقبول بالأسعار الجديدة أو التهديد بالانهيار الكامل للخدمات، ومضى قائلاً: هذه هي استراتيجية النيوليبرال التي عهدناها منذ عهد الإنقاذ ومن قبلهم بالديمقراطية الثالثة، ويعتقد أن من جانب استمرار عرض الخدمة مبرر، لكن من جانب طلب المستهلكين لها أثرها على الوحدات الإنتاجية والخدمية بالاقتصاد ككل (كثلاجات الأغذية والخدمات الصحية)، ستكون أداةً لزيادة أسعار السلع والخدمات (محلات الحلاقة والكوافير ومصانع التطريز وغيرها) بما يُفاقم من التدهور الاقتصادي الكلي والمعيشي للسكان والوحدات الإنتاجية ذات الصلة بشبكة هيئة الكهرباء، ما لم يتم تحرير المواطنين الذين قد يَعجزوا عن الشراء من شرطية حتمية الحصول على الكهرباء من الهيئة وتمكينهم قانونياً ومالياً من الحصول عليها باستخدام وسائل بديلة ما أمكن لتوفير الكهرباء المتجددة كخلايا الطاقة الشمسية مثلاً، مُبدياً قلقه من تفشي الفقر بالبلاد لكثير من السودانيين، وقرب د. وائل وجه الشبه ما بين رفع الدعم عن الكهرباء ورفع الدعم عن الوقود، وبالتالي سيتأذّى منهما أهل الحضر والريف كما سيتأذّى منه استقرار الاقتصاد ككل وعدم القدرة على إيقاف تدهوره الذي اشترطته الوثيقة الدستورية في 2019م، بالإضافة إلى دورة حركة ارتفاعات بالقطاعات الإنتاجية الأخرى.
قطوعات رغم الزيادة
في الوقت ذاته، استبعد د. وائل من خلال رفع الدعم عن أسعار الكهرباء ضمان توقُّف برمجة القطوعات كما يتم تصوير ذلك للمواطن، وأرجع ذلك إلى أنّ الهيئة القومية للكهرباء من نوعية المشاريع ذات اقتصاديات حجم الإنتاج الكبير الذي يُساعد في تخفيض تكاليف انتاج الوحدة من الكهرباء باتساع قاعدة المستهلكين، وقال كان بالإمكان أن تستمر في تخفيض التكاليف ومن ثم إلغاء دعمها باستمرار التخفيض في متوسط تكاليف الوحدة الكهربائية منذ تأسيسها وتعظيم الإيرادات الداعمة للخزينة العامة، غير أنّها فشلت في تحقيق ذلك ببقاء أكثر من 60% من السكان خارج الشبكة كما يبرِّرون هم أنفسهم لرفع الدعم بذلك، وحمّل فشل القائمين على إدارة هذه المؤسسة التاريخية والتي أصبحت في العصر الحديث رمزاً للحداثة والتطور لـ40% من المستهلكين والذين غالبهم يسكنون في الدرجات السكنية المُنهكة من عدم صيانتها لفترات طويلة حالياً، ويرى أنه ليس من المنطق أن يدفع هؤلاء الثمن!!!
تعويض
الباحث الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي قال لـ”الصيحة”، إن التعرفة الكهربائية الجديدة كان على الحكومة عدم المساس بالتعرفة للقطاعات الاقتصادية والخدمية الرئيسية كالقطاعات (التجارية، الصناعية، الفندقية، الزراعية والصحية)، مما سيكون له أثرٌ اقتصاديٌّ تحفيزيٌّ كبيرٌ على أنشطة هذه القطاعات التي تُشكِّل فاتورة الطاقة أحد أهم التّحديات لأعمالها بسبب حجم كلفة الطاقة الكبير عليها، وعلى أن يكون هناك تنظيم التعرفة الكهربائية أي عدم زيادة أسعار الكهرباء، وأكد أن قرابة الـ65% من المُشتركين في القطاع السكني يستهلكون الشريحة الأولى المدعومة، وتساءل هل يعتبر الهدف من إعادة التسعير هو الحفاظ على مرافق الكهرباء لتستمر في إنتاج خدماتها وعدم العودة إلى الماضي الذي كانت تشهد فيه البلاد انقطاعات مُتكرِّرة في التيار الكهربائي خلال اليوم الواحد؟ وقال إنّ زيادة الأسعار تسير في إطار برنامج خفض الدعم المُوجّه إلى الكهرباء، بهدف الوصول إلى منتجات طاقة غير مدعومة، وطالب بتعويض الفئات أصحاب الدخل المُنخفض والمحدود بدعم آخر يُمكن أن يكون نقدياً من خلال برنامج الدعم الاجتماعي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، في ظل تلك الزيادات لا تزال منخفضة وأقل من متوسط السعر العالمي البالغ 0.14 دولار للكيلو واط في الساعة للمنازل، 0.12 دولار للكيلو واط للشركات، فيما تبلغ أسعار الكهرباء في السودان 0.036 دولار للكيلو واط للمنازل و0.053 دولار للقطاع التجاري.
انهيار القطاع
وبحسب تقدير د. هيثم، الوقت غير مُناسب لأنه قد يؤدي ذلك إلى احتقانات واضطرابات في ظل مُستويات الدخل المُتدنية وزيادة نسبة البطالة، وشدّد على ضرورة ترشيد استهلاك الكهرباء في المؤسسات الحكومية وعلى كل المستويات، وكذلك سرعة تدبير تمويل الاحتياجات النفطية المستوردة من الخارج، بحانب التوسع في إنشاء محطات كهربائية تعتمد على الطاقة المتجددة سواء بالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، وذلك لاستيعاب ارتفاع معدل الزيادة في الاستهلاك، محذراً من انهيار القطاع الذي سيؤدي لمزيد من الانهيار في الاقتصاد السوداني الذي ستتضرر منه جميع القطاعات المُعتمدة على الكهرباء، وكذلك لسد النقص في الوقود، داعياً إلى التغلب على الأزمات المُتوقّعة وتوابعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
زيادة مُتوقّعة
ويرى المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان، أنّ زيادة الكهرباء كانت مُتوقّعة، لأن الاتفاق الذي أبرمته الحكومة الانتقالية مع صندوق النقد الدولي ضمن حزمة الإصلاحات الاقتصادية الصعبة المطلوبة كشرط ضروري لإعفاء الديون الخارجية، وقال لكن الجديد هو أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمانحين الدوليين انسحبوا من اتفاقية دعم السودان، ومع ذلك وجدت الحكومة الانتقالية نفسها مُضطرة للوفاء باتفاقها مع صندوق النقد الدولي والمانحين الدوليين بالرغم من انسحابهم من الاتفاق، لأن رفع الدعم يتيح للحكومة ان تمضي قدما في برنامج تخفيض التضخم، ويساعدها على زيادة إنتاج الكهرباء عبر إيجاد الموارد المالية الضرورية لتمويل عملية تشغيل وصيانة المحطات الكهربائية ولشراء الكهرباء من دول الجوار ومن البارجة التركية، ويشبر إلى أنه من المتوقع توفر الكهرباء من دون قطوعات تُذكر في العام الحالي 2022 بسبب الترشيد المتوقع من المُواطنين، وبسبب توفر الأموال لدى شركات الكهرباء جرّاء رفع الدعم وهو ما يُمكنها من تحسين إنتاج الكهرباء، ونوه إلى أن المُواطنين السودانيين سيُعانون الأمرين جراء ارتفاع فاتورة الكهرباء الذي يتزامن مع انتشار الفقر، وكذلك حالة الركود التضخمي التي يمر بها الاقتصاد السوداني، ويشيد بوجود دعم لا بأس به لـ200 كيلو واط الأولى وهي الضرورية لعامة الشعب ول400 كيلو واط التي تليها وهي ما يهم الطبقة الوسطى، واعتبر أن الإجراء مفيدٌ للاقتصاد السوداني، بالرغم من أنه سيزيد من حالة ضيق المعيشة سوءاً إلى سوء لدى غالب الشعب السوداني.
تكاليف تشغيلية
بحسب المحلل الاقتصادي، محمد النيل قال لـ”الصيحة”، إن برمجة القطوعات اختفت خلال شهر ديسمبر المنصرم لأسباب لا نعلمها، ومضى قائلاً إن مشكلة الكهرباء مرتبطة بتكلفة التشغيل وهي عالية جداً، وكان من المتوقع زيادة تعرفتها، وتابع: لم يهتم المواطنون بترشيد الاستهلاك كما كان مُتّبعاً في السابق عند بداية العمل بالدفع المقدم وكان ذلك إشارة واضحة لانخفاض سعر الكهرباء، وأعتقد أن الزيادة كانت واجبة ولكن ليس لهذه الدرجة العالية من التسعيرة، وقال بالتأكيد هذه الزيادات ستؤثر وتكون عاملا إضافيا في تكلفة المنتجات الأخرى التي تعتمد على التصنيع والتخزين والزراعة، ونفى بأن تكون هناك جهة محددة في الحكومة تتحمّل مسؤولية الزيادات وذلك لوجود فوضى حكومية وعدم استقرار سياسي، متوقعاً المزيد من المُعاناة في الفترة القادمة.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة