رأي ومقالات

التعديلات في تعريفة الكهرباء.. الأثر الإقتصادي

الإشارة ههنا للإعلان المنسوب لوزارة المالية بأن تعديلات كبيرة في أسعار الكهرباء للقطاع السكني، والقطاعين الصناعي والفلاحي، قد أخذت مكانها من التنفيذ إبتداء من الأول من يناير من العام الجديد. صارت بموجبه الرسوم على الكيلو واط الواحد للقطاعين الصناعي والزراعي أكثر من أربعة أضعاف ما كانت عليه في السابق، إذ إرتفع الرسم على الكيلو واط الواحد من 6.50 إلى 27جنيه.

إذا ما أفترضنا أن الطاقة كانت تساهم بما يعادل 25% من إجمالي تكاليف مدخلات الإنتاج في القطاعين المذكورين، فإن التضاعف في أسعار الكهرباء يتوقع أن يراكم إجمالي تكاليف مدخلات العملية الإنتاجية في القطاعين الصناعي والزراعي (القطاع المروي بالتحديد)، بمعامل تضاعف قدره 1.75 من الواحد الصحيح الذي كانت تمثله تكاليف مدخلات الإنتاج قبل تشريع التعديلات المعنية. إذا ما وضعنا الإعتبار للأثر غير المباشر لتلك الزيادات في متبقي مدخلات الإنتاج في القطاعين، يصبح بإمكاننا التكهن بأن فاتورة إجمالي مدخلات الإنتاج بكلا القطاعين قد تضاعفت مرتين، مدفوعة بالأثر المركب للزيادات المعنية.

إذا ما سلمنا بصحة الفرضيات أعلاه، فإن هذا التضاعف في تكاليف مدخلات العملية الإنتاجيه، بإفتراض أن سعر صرف العملة الوطنية سيظل على ما هو عليه على الأقل على المدى القصير والمتوسط، فإن التضاعف المذكور في تكلفة الإنتاج بالقطاعين سيقود لاحقا لإحداث بعض الإخلال بالميزان التجاري، بحيث نتوقع أن يتسع العجز التجاري كنتيجة حتمية للمتغيرات الديناميكية التي ربما تعقب الإجراء، نورد منها ما تتسع له الذاكرة الأكاديمية فيما يلي:
أ/ تراجع المقدرة التنافسية للصادرات:
إن مقدار التضاعف في تكاليف مدخلات الإنتاج الصناعي والفلاحي، سيضاعف بدوره من تكلفة العملية الإنتاجية بالقطاعين، مما يقلل القدرة التنافسية للصادرات الوطنية في ما وراء البحاز. مايقود لأن تتراجع بموجب ذلك كميات المنتجات المعروضة للتصدير ومن ثمّ الإيرادات من العملات الحرة التي كانت تؤمنها تلك الصادرات لدعم الميزان التجاري، الأمر الذي يضاعف الضغوط على إحتياطيات البلاد من العملات الحرة، المتأزمة أصلاً.

ب/ تضاعف فاتورة الواردات:
الفلاحون وأصحاب المنشآت الصناعية المتأثرون بتراكم تكاليف الإنتاج، سيضطرون لطرح منتجاتهم في الأسواق المحلية مقابل أسعار تزيد كثيرا عما درجوا عليه من قبل، الشئ الذي سيساهم بصورة تلقائية في الدفع بمستهلكين للبحث عن البدائل من السلع المستوردة، إذا ما كان بالإمكان الحصول عليها مقابل أسعار أقل نسبيا، أو حتى إذا ما كانت تنطوي على تفوق طفيف في الجودة، في حالة أنها لا تقل سعرا عن نظيراتها من المنتجات الوطنية. آخر الأمر فإن هذه الإزاحة في الطلب الإستهلاكي لصالح المنتجات المستوردة، آخذةٌ بلا شك في مضاعفة فاتورة الواردات، ومن ثمّ ملقية بظلالها الثقيلة على الميزان التجاري، وعلى الإحتياطي من العملات الحرة.

ج/تراجع الطلب على المنتجات المعمرة:
تطرقنا فيما سبق للآثار السلبية المتعلقة بالزيادة المعلنة في تعريفة الكهرباء، على ديناميكيات العرض وعلى العملية الإنتاجية برمتها. فيما يلي سنعرض على الأثر المقابل الذي يتوقع أن تحدثه التعديلات في فاتورة الكهرباء على ديناميكيات الطلب، كتفاعل تلقائي ربما ساهم بأثر إيجابي معاكس على ميزان المدفوعات، وإن لم يكن كافيا لتحييد ما سبق توضيحه من آثار سلبية متفوقة، في تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات، ذلك لما يحدثه تراجع متوقع في الطلب على أسواق السلع المعمرة من التخفيف على حدة الطلب على العملات الحرة.

يتبدى ذلك في أن الزيادة في فاتورة إستهلاك الكهرباء للقطاع السكني ستقلل من القوة الشرائية أو متبقي الدخل القابل للإنفاق، لدى شرائح العاملين الذين يتقاضون دخولا ثابته، حيث سيتسبب ذلك في تعديل سلوكهم الإستهلاكي بحيث تتراجع فوائض الدخول التي كان بالسابق يتم إنفاقها خارج نطاق الضروريات، تدبيرا من شأنه أن يمكن المستهلكين من التواءم مع الزيادة في الإنفاق على الكهرباء. بحيث سيتعاظم نصيب الإنفاق على السلع الأساسية (إنفيريور قودز) على حساب ما يقابله في سلع الرفاهية (لاكشاري قودز) ويشمل ذلك بالطبع تراجع الطلب على السلع المعمرة كالبرادات، مكيفات الغاز، والمواقد والأفران الكهربائية.

ربما أكثر من ذلك إذا ما عززنا الرأي بدوافع القَتَر لدى المستهلكين التي ستجبرهم بطبيعة الحال للسعي لمزيد من التدبير في إستهلاك الكهرباء لغرض إمتصاص التآكل في الدخول القابلة للإنفاق بالنظر للإرتفاع الكبير في التكلفة التشغيلية للأجهزة المنزلية التي تعمل بالكهرباء. هذا التوجه هو الآخر يعدّ عاملا إضافيا يعضد من تراجع الطلب على السلع المعمرة، فتتراجع نتيجة لذلك إجمالي المداولات في تلك الأسواق عالية الكلفة وبالتالي الطلب على إستيرادها مما يساهم على العكس من العوامل السابقة -رغم ضآلة مقداره بالنظر لنصيب هذا القطاع من حجم الإنفاق الإستهلاكي في البلاد- في تلطيف الضغوط على الميزان التجاري.

إن محصلة تفاعل ردود الأفعال التلقائية في العملية الإقتصادية جراء الزيادة المقررة في أسعار الطاقة، يتوقع أن تساهم في تفاعل مواقت في مؤشرات سوق العملات الموازي والرسمي، ومما لا شك فيه فإنها ستتسبب في توليد سعي تدريجي محموم للإستحواذ على العملات الصعبة في الأسواق الموازية، الشئ الذي ربما يقلل من واقعية مؤشرات لائحة السوق الرسمية للعملات، وربما الدفع بالتنفيذيين لمراجعة الأوضاع والدفع بإصلاحات إقتصادية جديدة تنضوي على حتمية تبني مزيد من التخفيض في أسعار صرف العملة الوطنية، وما يجره ذلك من التعقيدات في الإستقرار السياسي للبلاد.

خاتمة:
الموردون، الباعة، المقرضون وأصحاب الودائع، مقاولو الدفع المقدم، هؤلاء من ضمن آخرين ربما يمثلون الشرائح الأكثر تعرضا للمخاطر التي قد تعتمد على مصداقية التنبؤات بالتحليلات المتقدمة، بالتحديد الفاقد في القوة الشرائية بالتوازي مع مخاطر قد تحدثها حتمية وشيكة للتأرجح في سعر الصرف. في أوضاع مماثلة فإن المستهلك الحصيف، يتوقع أن يتعجل الحصول على مقابل سلعي لقاء كل مدخراته من النقود، حتى تلك التي ترتبط بأجور وجداول تدفقات آجلة، الشئ الذي يدفعه للسعى لتحاشي المخاطر من خلال تقليل ما بحوزته من النقد سيولة كانت أو مدخرات، لأدنى الحدود الممكنة.

ناجي شريف بابكر