مقالات متنوعة

محجوب مدني محجوب يكتب: الشعب لم يفقد الذاكرة

تتكرر الكوارث السياسية على هذا الشعب الطيب من متصدري المشهد السياسي ظنا منهم أن هذا الشعب فاقد للذاكرة.
يثور ويغضب ضد القهر والظلم لمدة شهر أو شهرين سنة أو سنتين ثم ينسى ما أصابه؛ ليعودوا من جديد لسلخه وتفتيت عظامه.
لم ينتبه هؤلاء الساسة، ولو لمرة واحدة أن هذا الشعب لم يفقد الذاكرة، ولم ينس أذية واحدة منهم منذ الاستقلال.
ولكنه صابر شجاع.
بسيط لا يحب ان يتصدر المشاهد السياسية.
يرى الابتعاد عن صراعاتها مغنم، والعفو عمن ظلمه مروءة وإحسان.
ويرى الانتقام منه خسة ودناءة وسوء أصل.
يقدر العشرة، وينظر للسنين التي كان يحكمه فيها.
كل هذه الصفات العظيمة والنادرة يختزلها الساسة حينما يعودون بذات سياساتهم ظنا منهم بأن هذا الشعب فاقد للذاكرة.
استولى عبود على السلطة ظنا منه أن هذا الشعب نسي الحرية، ونسي نضاله في التخلص من الطغيان الخارجي، فبعد برهة من الزمان انتفض وثار إثر انتفاضة تجلجلت لها الآفاق.
فما أن مكث هذا الشعب قليلا يرتب في تنظيم دولته إلا انه سرعان ما نما إلى الساسة أن هذا الشعب قد فقد ذاكرته.
فجاء النميري خلفا لعبود بذات صفاته وحكمه وما إن مكث النميري في حكمه برهة من الزمان حتى انتفض هذا الشعب وثار، وكأنما ثورة ٦٤ لم يمض عليها يومان.
وهكذا استمر الصراع بين السلطة والشعب بذات الصفات.
شعب أبي صابر لا يقبل الظلم وفي نفس الوقت لا يحب الانتقام.
فقد عفا عن عبود بعد أن خلعه من حكمه، فظن الساسة أن هذا الفعل من الشعب فقدان للذاكرة.
فلا الشعب يريد أن ينتقم من جلاده، ولا الساسة يريدون أن يدركوا بأن هذا الشعب لم يفقد الذاكرة.
جاء ثالثهم (البشير ) ظنا منه أن هذا الشعب نسي الحرية، ونسي الظلم والذل الذي لحق به.
فبعد أن مكث في حكمه ثلاثين سنة يحمل هذا الوهم، فإذا الشعب يعود بذاكرته القوية، فيعيد ثورة أكتوبر وثورة أبريل بثورة ديسمبر.
وما ان مكثت ثورة ديسمبر ثلاث سنوات حتى عاد الساسة لسابق عهدهم وقناعاتهم بأن هذا الشعب فاقد للذاكرة، ليأتي البرهان بمثل ما أتى به عبود والنميري والبشير.
متى يقتنع هؤلاء الساسة بأن هذا الشعب لم يفقد ذاكرته؟
متى يقتنع هؤلاء الساسة بأن هذا الشعب صبور لا جبان.
متى يقتنع هؤلاء الساسة بأن هذا الشعب يعلم تماما حجم الظلم الذي وقع عليه لكنه عفو كريم؟
لم ينس يوما قط بأن حريته وكرامته قد سلبت لكنه الحياء من التشهير بمن ظلمه.
شعب قام بثلاث انتفاضات في غضون خمسة وخمسين عاما لا يمكن ان يوصف بأنه فاقد للذاكرة.
شعب عفا عن جلاديه ولم يسيء إليهم لا يمكن أن يوصف بأنه ساذج.
ساسة يكررون التجربة أربع مرات لا شك بأنهم يجزمون بأن هذا الشعب فاقد للذاكرة.

صحيفة الانتباهة