السخرية في القرآن الكريم (3)
3-
قلت : ارى أن من أبواب السخرية ما يكون من نمط السجع والبديع والتصريح .. الذي يشي بقدره وتملك ،
وهدؤ بال يجعل الساخر غير مكترس بل يجنح في جرأة لسبك السخرية المستفزة كردّ فعل للتهكم ، هذا بمثلما
وجدنا الأستاذ العقاد يلجأ لأساليب السجع عند سخريته البالغة .
في الآية 109 سورة التوبة: (
أَفَمَنْأَسَّسَبُنْيَانَهُعَلَىتَقْوَىمِنَاللّهِوَرِضْوَانٍخَيْرٌأَممَّنْأَسَّسَبُنْيَانَهُعَلَىَشَفَاجُرُفٍهَارٍفَانْهَارَبِهِفِينَارِجَهَنَّمَوَاللّهُلاَيَهْدِيالْقَوْمَالظَّالِمِينَ
).
هنا لفت انتباهي حرف الهاء الوافر الحاشد في : هار – فانهار به – جهنم – يهدي. هذا ثم بقدرة
السخرية .. رتما وتم الهاء ، أما المعنى فالواضح أن المفاضلة ما بين (بنيان على تقوى) و( بنيان على شفا
جرف ) نراها تنتصر للتقوى وكسب الخير . ومثل هذا ما نجده في الآية 15 سورة الحديد : (
فَالْيَوْمَلَايُؤْخَذُمِنكُمْفِدْيَةٌوَلَامِنَالَّذِينَكَفَرُوامَأْوَاكُمُالنَّارُهِيَمَوْلَاكُمْوَبِئْسَالْمَصِيرُ).
• من مداخل السخرية التامة
ما نجده في سورة النمل الآية 56: (فَمَاكَانَجَوَابَقَوْمِهِإِلَّاأَنقَالُواأَخْرِجُواآلَلُوطٍمِّنقَرْيَتِكُمْإِنَّهُمْأُنَاسٌيَتَطَهَّرُون).
نقل
الزمخشري عن ابن عباس( هو استهزاء ) ، ومبلغ الاستهزاء ليس أصلا معيبا(آل لوط) الطاهرين، بل يصيب
( قوم لوط) القذرين الأنجاس ، إذ جعلهم استخفافا بهم يذهبون إلى ابخاس التطهير بما يحكم على أربابه
بالخروج من القرية، وكأنما عهدهم وديدنهم القاذورات وهي لتمكنها منهم تكون بمثابة الطهارة لهم ، أي أن في
غاية معتقدهم أن القذر هو الطهر وحده .. ولا طهر سواه !! ما يستوجب المدح والحمد.
•
وجدت من الاسلوب الممعن في سخريته ما نهجه القرآن استنكارا بصيغة التخيّر بين الإجابتين المتضادتين،
وهي سخرية تنسب الإجابة ( الإيجابيّة) لهم استدراكا وكأنهم في كفرهم أحق بالخير من سواهم ! (تصنع) لهم
مخرجا مقبولا من ورطة الإجابة الصادقة: هذا الاسلوب نجده محشوداً في سورة ( الطور 32- 43) اكثره
يبدأ بسؤال استنكاري(أم تأمرهم احلاهم بهذا ) ويعقبه الحكم الساخر الذي هو اجابة شافية في صيغة رافضة
(أم هم قوم طاغون)+ ( أم يقولون تقوّله )=( بل لا يؤمنون +(أم خلقوا من غير شيء)=(أم هم الخالقون )+ (
أم خلقوا السموات والأرض) = ( بل لا يوقنون) +(أم عندهم خزائن ربك)= ( أم هم المصيطرون ) +( أم لهم
سلم يستمعون فيه ) = ( فليأت مستمعهم بسلطان مبين ) + ( أم لهم البنات ) = ( ولكم البنون ) + ( أم تسألهم
اجراً)=(فهم من مغرم مثقلون ) + ( أم عندهم الغيب )=( فهم يكتبون ) +( أم يريدون كيدا ) =(فالذين كفروا هم
المكيدون ) +( أم لهم إله غير الله ) = ( سبحان الله عما يشركون ) هذا يذكرني بالأسلوب التخيري الذي يميل
لناحية في دعوته.. نقوله للضيف: تتعشا ولا تنام خفيف – وهو مصري!! لا نعرفه.
• مما
يقوي أسلوب الاسئلة المتضادّة ما نجد من الشمول في إجابات تذهب بالإجابة في شقيها لله تعالى فهو الفاعل (
وانه أضحك وابكى ) +( وأنه هو أمات وأحيا ) +( وانه هو أغنى وأقنى ) + ( أفمن هذا الحديث تعجبون) (
وتضحكون ولا تبكون) .
• من التصوير الساخر ( يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر )
ومثل هذا التصوير لا يستوعبه إلا الذين رأوه عيانا ، وفي صورة أخرى نرى الريح الصرصر (تنزع الناس
كأنهم اعجاز نخل منقعر ) ثم صورة الصيحة التي تذروهم كأنما هم الهشيم) +( انا أرسلنا عليهم صيحة واحدة
فكانوا كهشيم المحتظر)
• في الآية 48سورة القمر(
يَوْمَيُسْحَبُونَفِيالنَّارِعَلَىوُجُوهِهِمْذُوقُوامَسَّسَقَرَ) في لفظ(مسّ) نجد لطفا وترقيقا لا يجيء بداهة من العذاب الساحق
الذي ينتظرهم ، وهذا يعود بنا لما بين المس والمشّ من فروق ، تذهب بالسين للرّقة ، والشين للخشونة ، وفي
قوله تعالى : ( وإذا مسّه الشر فذو دعاء عريض ، هنا إشارة لقلة الضرر أصلا الي يدفع لإكثار الدعاء فزعا ،
انظر المقابلة : ( مسه = تقليل )+ (دعاء= تكثير).
أشتات
1-اشتري عبدالله بن المبارك جارية فاحبها ، فحج ،
فكتب إليها :
هبّت الرّيح من الشر ق فجاءتني يريحك
فتنشقت نسيم ألـ عيش من طيب
نفوحك
فتوهمتك حتى خلتني بين كُشُوحك
كيف أنساك وروحي صُنعت من جنس روحكْ
2-ما
ذاك في بلادنا يعبث اخطبوط
يغزل من احقاده خيوط
بلادنا يا أخوه الطريق …. يا طلائع النهار
مازال في تربتها
يزدهر الصبار
ويطرق السجان كل باب
ويطرق السجان كل باب
ويؤرق الخوف على نوافد البيوت
لكنما
ازدهاره تموت
يا فلتوقدوا الشموع
فنحن شعب قاهر لا يعرف الدموع
موعدنا انتفاضة الجموع .
محمد عثمان كجراي
3-قال المتنخل الهزلي يصف سيفا:
كلون الملح ضربته هبير يتر العظم سقاط
سراطي
هبير: قاطعة ، يٌتر : يقطع، سقاط : يسقط من وراء الضريبة يقطعها حتى يجوز إلى الأرض.
قلت :
نقول : ترغادي طلبا للإبتعاد– والمعنى واحد
صحيفة اليوم التالي