عبد الله مسار يكتب: الأذكياء
قيل إن قاضي انطاكيا خرج ليلاً إلى مزرعته, فلما سار من البلد اعترضه لصٌ فقال له دع ما معك وإلا أوقعت بك المكروه.
فقال القاضي أيدك الله أن لأهل العلم حرمة وأنا قاضي البلد فمن علي.
فقال اللص الحمد لله الذي أمكنني منك لأني على يقين أنك ترجع إلى كفاية من الثياب والدواب, أما غيرك فربما كان ضعيف الحال فقيراً لا يجد شيئاً.
فقال القاضي أين أنت مما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدين دين الله والعباد عباد الله والسنة سنتي فمن ابتدع فعليه لعنة الله). وقطع الطريق بدعة وأنا أشفق عليك من ان تدخل تحت اللعنة.
فقال اللص يا سيدي هذا حديث مرسل لم يرو عن نافع ولا عن ابن عمر ولو سلمته لك تسليم عدل أو تسليم انقطاع فما بالك بلص متلصص مما لا قُوت له ولا يرجع إلى كفاية عنده أن ما معك حلال لي, فقد روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لو كانت الدنيا دما عبيطا كان قوت المؤمن منها حلالا).
ولا خلاف عند جميع العلماء أن للإنسان أن يحيي نفسه وعياله بمال غيره إذا خشي الهلاك, وأنا والله أخشى الهلاك على نفسي وفيما معك احيائي واحياء عيالي فسلمه لي وانصرف سالماً.
فقال القاضي اذا كانت هذه حالتك فدعني اذهب الى مزرعتي فأنزل الى عبيدي وخدمي وآخذ منهم ما استتر به وأدفع إليك جميع ما معي.
فقال اللص هيهات فمثلك مثل الطير في القفص فإذا خرج الى الهواء خرج عن اليد. وأخاف أن أخلي عنك لا تدفع لي شيئاً.
فقال القاضي أنا أحلف لك إني أفعل ذلك.
فقال اللص حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يمين المكره لا تلزم).
وقال تعالى (….إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) النحل: 106.
فادفع ما عندك, فأعطاه القاضي الدابة والثياب دون السراويل فقال اللص سلم السراويل ولا بد منها.
فقال القاضي إنه آن وقت الصلاة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نظر إلى سوءة أخيه المسلم فهو ملعون) وقد آن وقت الصلاة ولا صلاة لعريان والله تعالى يقول (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) الأعراف: 31.
وقيل في التفسير هي الثياب عند الصلاة.
فقال اللص أما صلاتك فهي صحيحة, حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى عليه وسلم قال (العراة يصلون قياما ويقوم امامهم وسطهم).
وقال مالك لا يصلون قياماً, يصلون متفرقين متباعدين حتى لا ينظر أحد منهم الى سوءة البعض.
قال أبو حنيفة يصلون قعوداً, أما الحديث الذي ذكرت فهو حديث مرسل ولو سلمته محمولاً على النظر على سبيل التلذذ وأما انت فحالك اضطرار وليس اختيار.
فقال القاضي أنت القاضي وأنا المستقضي وأنت الفقيه وأنا المستفتي وأنت المفتي خذ ما تريد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأخذ السراويل والثياب ومضى.
وقلت في نفسي ليت العلماء في زماننا هذا كانوا كلصوص زمانهم.
هذا حال لصوصهم فكيف حال علمائهم. إنهم كانوا متفوقين ويجيدون ما يتعلمون ويمارسون ويطبقون ما تعلموا لله درهما.
صحيفة الصيحة
.اذا كان لصوصنا جهلاء ويحلون الحرام ويحرمون الحلال نعرف لماذا وصلنا الى هذا الدرك من الانحطاط بلد لصوصها حكامها وقضاتها وزرائها ورؤسائها وبلغ بهم التفاهة ان هؤلاء ةيتحدثون عن اللصوص والسرقات