من الذي أفسد مسار التغيير الحقيقي؟ (1 من 3)
+++++
حتى لا ننسى، دعونا نعود بالذاكرة السودانية لأولى أيام ولحظات إسقاط نظام الإنقاذ البائد، ونستعرض في ذلك المشهد، ومنه الشخصيات البارزة التي ظهرت كقائد لهذا التغيير والذي ما كان له أن يكتمل أو أن يكون ممكناً لولا تخطيطهم ووقوفهم بجانب التغيير وتأييدهم له ووضع اللمسات الأخيرة عليه باعتقال الرئيس عمر البشير وبقية قادة المؤتمر الوطني المؤثرين وإعلان انتهاء فترة حكم الإنقاذ والطلب من القوة المدنية أن تتحاور لتضع لمسات الفترة الانتقالية المؤدية إلى التحول الديمقراطي الكامل الدسم والدولة المدنية مكتملة الأركان.
دعونا نسترجع هذه الأسماء ومن ثم ننظر من يكونون، لنخلص بذلك للتعرف على الأيادي الحقيقية التي أحدثت هذا التغيير، ولنحاول تحليل و قراءة أهدافها في تلك الأيام مما أقدمت عليه، ودون أن نغفل أن الثورة و الثوار و التحركات الشعبية لعبت دوراً مهماً في التغيير، إلا أن أركان التغيير ما كان لها أن تكتمل إلا بخطط و تحرك هؤلاء القادة و حسمهم الأمر لصالح التغيير، كما أن الثابت الذي لا جدال فيه هو أن هؤلاء القادة أو بعضهم هم من نظم تحركات الشارع منذ بداياتها وسمح بها و قادها إلى اعتصام القيادة بتنسيق مع الأحزاب المدنية التي أقرت بذلك بتصريحات كل قياداتها.
هل تذكرون هذه الأسماء؟ الفريق صلاح عبد الله (قوش) مستشار الأمن بنظام الإنقاذ ومدبر كل تفاصيل التغيير ومنسقها مع القوى المدنية، الفريق الأول أبنعوف وزير الدفاع حينها ومذيع البيان الأول، الفريق أول عبد المعروف الذي كان مرشحاً ليخلف أبنعوف،، الفريق جمال الدين عمر، ضابط الاستخبارات العتيق وشهيد مفاوضات السلام بجوبا، الفريق هاشم عبد المطلب رئيس هيئة الأركان حينها، الفريق أمن جلال الدين الشيخ، مدير المخابرات، الفريق عمر زين العابدين مسؤول اللجنة السياسية الأهم بالمجلس العسكري والذي سنتوقف كثيراً في هذا المقال عند تصريحاته الأولى و التي كانت ستشكل مسار التغيير و الانتقال كلها، لولا ما استجد من تداعيات سياسية فرضتها جهات خارجية وداخلية قادت مسار التغيير لغير ما قد كان خطط له، وآخرون كثر لا مجال لذكرهم جميعهم، فهل تتذكرونهم!؟
ذكرت الأسماء السابقة تحديداً لأدلل على أن اللاعبين الأساسيين في التغيير الذي تم في أبريل 2019م هم من المنتمين لتنظيم الحركة الإسلامية بالجيش، وإن تعالت أصوات إنكارهم لذلك بحكم طبيعة مناصبهم وطبيعة العمل الأمني والعسكري، فتاريخهم وتوجهاتهم الفردية و انتماؤهم السياسي منذ مراحل تعليمهم المختلفة وحتى وقت التغيير معلوم للجميع، ولا أحد يستطيع إنكار هذه الحقيقة التي تثبت أن هذا التغيير قد خططت له وقامت به هذه الحركة، وما كان له أن يكون بلا موافقة و تنسيق مع بعض مكونات الحركة المدنية بحكم طبيعة العلاقة الرأسية بين المكونين المدني و العسكري في الحركة، فماذا كان أهدافهم من التغيير و ماذا كانت خارطة طريقهم لمسار التحول المنتظر !؟
للإجابة على ذلك فلنحاول تذكر خمسة من تصريحات الفريق عمر زين العابدين؛ رئيس اللجنة السياسية حينها والمعنية بالضرورة بوضع مسار التغيير المنشود، وقد راج حينها أنه المسؤول الأول في تنظيم الحركة داخل الجيش، حيث كان أول ما صرح به ، أولاً، أنهم ( نحن أبناء سوار الذهب) مؤكداً رغبة العسكر في تسليم الحكم لحكومة منتخبة بأعجل ما يمكن، بما لا يتجاوز العامين وهو ما ظل يؤكده البرهان حتى بعد 25 أكتوبر، ثم ذكر ، ثانياً، أنهم يفضلون العمل بدستور العام 2005م المعدل في 2017م والقابل للتعديل بمراسيم متفق عليها إلى حين الانتخابات، وهو دستور تم إعداده بعد اتفاقية السلام الأولى و بمشاركة كل القوى السياسية والحركات المسلحة حينها ، وهو دستور متقدم جداً في حفظ الحقوق وتنظيم أمور الدولة، إذا قارناه بالوثيقة الدستورية الضعيفة وحمالة الأوجه التي جرى العمل بها منذ التغيير، و أكد، ثالثاً، أن الحكومة ستكون مدنية كاملة، تشكلها القوة المدنية بالتشاور والتراضي بينها، بلا تدخل من المكون العسكري إلا في ما يخص حقيبتي الدفاع و الداخلية لطبيعتهما الأمنية، و قال، رابعاً، إنهم كقادة تغيير لن يتحملوا أي مسؤولية عن مقتل أي متظاهرين و سيقدمون للمحاكمة كل من يثبت أنه وجه أو أمر أو قام بقتل متظاهرين، إلا أنهم لن يسمحوا بالفوضى و سيتعاملون بحزم معها، و أكد، خامساً، أنهم لن يقصوا أحداً من المشاركة السياسية طالما مارسها برشد وفي إطار القوانين المنظمة للعمل السياسي، وفُهم من ذلك أن لا إقصاء للإسلاميين بحجة أنهم (مؤتمر وطني) إلا لمن أفسد منهم ، وكذلك رفضهم تسليم البشير لمحكمة خارجية على أن تتم محاكمته داخلياً . هذه كانت ملامح خطة التغيير التي خطط لها وأكمل تنفيذها قيادات أمنية وعسكرية هي كوادر للحركة الإسلامية بلا جدال، وإن ذلك حدث بعد أخذ موافقة المستويات الدنيا من وحدات الجيش بالتراتبية المعروفة، وكذلك موافقة بعض قيادات الحركة المدنية، فما الذي حدث بعدها !!؟ وكيف تغير مسار هذه الخطة باستقالة عدد من هذه القيادات وإبعاد أخرى من المشهد؟ من الذي تدخل وأثر في المسار؟ وهل كنا سنصل لهذه الحالة من التشظي والاحتقان وبؤس الحال المعيشي والسياسي والأمني والاجتماعي لو التزم التغيير بالمسار الأول الذي خُطط له !؟ سنناقش ذلك ونحلله في الجزء الثاني من المقال.
نهى محمد الامين
صحيفة اليوم التالي