مايرنو من محاربة التعليم إلى الريادة العلمية العالمية
يستغرب المفتش الانجليزي من تصرف سلطان مايرنو ، فيسأله :
لماذا تشيح بوجهك عني كل ما ازورك ، ولا تستقبلني حتى اغادر ؟ ، يرد عليه السلطان بكل برود الفولان و انفتهم : لأني لا أحبك ، و أتعامل معك مجبورا من أجل مواطني منطقتي .
– و لماذا لا تحبني رغم أنني احاول التودد إليك بكل السبل ؟
– لأن اجدادك قتلوا أجدادي .
اجدادك قتلوا أجدادي، هو سر معاداة الفولان للمستعمر على امتداد القارة الأفريقية و معاداة المستعمر لهم حتى اليوم يمنع وصولهم إلى السلطة في كل أنحاء القارة و بكل السبل الخبيثة و الدنيئة . علماء الدين و مؤساتهم التعليمية هي القوة التي جابهت و حاربت المستعمر ، لذا اول ما فعله الاستعمار عند تمكنه من القارة بعد قتل آلآف العلماء و حفاظ القرآن، هو محاربة المؤسسة التعليمية التي وقفت سدا منيعا في وجههم الاستعماري .
بالمقابل حارب و جابه علماء الدين في أفريقيا المؤسسة التعليمية الحديثة بكل السبل .
هذا يجعلك تتفهم حجم معاناة أنصار نشر التعليم الحديث في منطقة مثل مايرنو بها أكثر من خمسين خلوة في مختلف ضروب العلوم الإسلامية قران، حديث، فقه، لغة، فلك ، سيرة .
مؤسسات فكرية تعليمية روحية ضاربة الجذور تاريخيا و اجتماعيا في مواجهة نظام تعليمي حديث ، هش و مرتبك يعمل على نزع السلطات و الامتيازات المكتسبة لرواد المؤسسة الاولى و اتباعهم، مواجهة مؤسسة جديدة جاء بها الخواجة (الكافر حسب اعتقادهم) قاتل الأجداد حسب فهم سلطان مايرنو الذي يشيح بوجهه عنه كرها له .
هذه هي البيئة الفكرية في منطقة مايرنو (ولاية سنار) في بدايات القرن العشرين ، بداية نشر التعليم الحديث من قبل المستعمر ، بعد وطد أركان دولته ..
نشر التعليم المدرسي في هذه المنطقة قصة ملحمية عنيفة و صراع فكري ووجودي طويل( نسرده يوما ما بتفاصيله المثيرة ) لا زال الشباب يخوضونه حتى اليوم ، ليس من أجل أن يلتحق به الجميع و إبطال حرمنته ، إنما كيف يجدوا مقعدا دراسيا لكل طفل، و ضمان ان يستمر فيه فلايغادره و يتسرب عن العملية التعليمية …
نجح الأمر بصبر و حكمة الأجداد الأوائل الذين ساندوا التحاق أبنائهم بالنظام التعليمي الحديث و تحملوا الإساءات و النعوت المخزية التي وصلت حد التكفير ، لكن بصبرهم و عزيمتهم تخطوا تلك العقبات بالحوار الفكري و الاقناع الديني ، و هذا ما افتقده من حارب أنصار (بوكو حرام ) في غرب أفريقيا، دون أن يدرس الأسباب الفكرية لنشأة هذه الحركات و يعالجها بالفكر و الحوار ، بدلا عن القوة و الكبت مما وسع رقعتها بانضمام البسطاء إليها، و زهقت الآلاف من الأرواح البريئة .
سلم اجدادنا رايات النضال من أجل التعليم إلى الاباء الذين ورثوها للأبناء ، و اليوم ينتشر أبناء مايرنو في المؤسسات العالمية و السودانية بكل تواضع في مختلف التخصصات أطباء و مهندسين و محامين و أساتذة جامعات و علماء و باحثين .
من بين هؤلاء يحتفي العالم هذه الأيام باختيار عالم الرياضيات السوداني الشاب عبدالرضي عبدالرحمن المولود في العام ١٩٧٨ الأستاذ في جامعة ام درمان الإسلامية و عدد من الجامعات السودانية ، و الذي اختيرت ورقته البحثية في التطبيقات الرياضية لتفوز بالجائزة العالمية بين مائة وأربعين ورقة علمية من كل قارات العالم في المؤتمر العالمي الذي أقيم في شهر أكتوبر من هذا العام تحت عنوان : ( التطورات الحديثة و الصاعدة في العلوم الساعية إلى التغيير المنتظم في التنمية المستدامة و المستقبل البيئي الذكي ) …
فوز السودان على دول العالم الأول في مؤسسته التعليمية ، فكأن عبدالرضي يقول لهم ها نحن نبزكم في مؤسستكم التعليمية التي رفضها أجدادنا . فعندما اقتنعنا بها سبقناكم فبها خلال قرن واحد ، قرن آخر و سنسود مرة أخرى.
ورقة البروفيسور عبدالرضي بعنوان : ( مقاربة الحلول التحليلية لبرنامج المطلب التطبيقي مع معادلات كوشي ريمان) و هي برامج تطبيقية في مجال الرياضيات و الحاسوب.
وقد تلقى البروف اثر ذلك دعوات للانضمام إلى مجلس إدارة الجورنال الدولي للرياضيات و بحوث الحاسوب الالي في الهند . أيضا اختير كمحكما دوليا في الإصدارة الرياضية العالمية . كأول باحث سوداني ينال هذا الشرف .
عبدالرضي درس تعليمه العام في سنار و التحق بجامعة الخرطوم ليدرس الرياضيات
حقيقة عندما شاهدت الحلقة المسجلة معه في برنامج مساء جديد اول امس في النيل الأزرق، اعجبني تواضعه و وفاءه لمعلميه و اصحاب الفضل عليه في أن يكون ما هو عليه ، و ترحم على والده الذي توفي قبل المؤتمر بأسبوع فقط ، فكأن يستصحب قوله له باستمرار : لا تنضم إلى فريق أو عمل تعرف سلفا انك لا تتفوق و تتسنم قمته، وأظن الآن والده سعيدا بهذا الإنجاز . و كذلك هالني حجم التعليقات من تطلابه الذين يشيدون بأخلاقه و تعامله الراقي ، لفت نظري أيضا انهم اجمعوا بأنه يبدأ كافة محاضراته بقصيدة للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، عرفت وقتها أنه لم يذهب بعيدا عن ارث أجداده الذين كانو يرفضون التعليم المدرسي، وأنه كافأ اولئك الذين ناضلوا من أجل التعليم الحديث بان يتسنم اعلى قمة الرياضيات في العالم .
شكرا عبدالرضي لهذا الإنجاز و مبروك للسودان و لأهالي مايرنو ، بالتأكيد هو واحد من مئات ينجحون و يتسنمون القمم في صمت و تواضع يليق بهم …
سالم الامين بشير ٢٩ نوفمبر ٢٠٢١
مبروك هو إنجاز الوطن فلاتي او مايرنو او فولاني او جعلي او دنقلاوي او بجاوي او هدندوي او نفيدي كلنا ابناء هذاوالوطن يجمعنا حبه ونتفاني ونخلص له ومن اجله