رأي ومقالات

الناشط السوداني عبد الرحمن عمسيب لـ”حفريات”: عودة الإخوان في السودان غير ممكنة

بعد انقلاب “25 أكتوبر” العسكري في السودان، أو الإجراءات التصحيحية وفق تسمية القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، برز سؤال عن احتمالية عودة رموز وقيادات النظام السابق، المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسي، بعد تعطيل البرهان للمواد التي تنصّ على شراكة تجمع قوى إعلان الحرية والتغيير “قحت” مع العسكريين في الفترة الانتقالية من الوثيقة الدستورية.
ولكوّن الجيش وقياداته كانوا جزءاً من النظام السابق بقيادة عمر البشير، وعضوية البرهان ذاته لعدة سنوات في حزب المؤتمر الوطني المحلول، يتوقع البعض عودة الإخوان سياسياً، بينما على الطرف الآخر يصف المكوّن المدني المعبر عن ثورة “ديسمبر” العسكريين بأنّهم فلول النظام السابق منذ اليوم الأول للثورة.
وبشكل عام لم يكن كلّ من نال عضوية حزب المؤتمر الوطني منتمياً إلى الإخوان المسلمين، وكذلك لم تكن كل قيادات الجيش وكبار المسؤولين من الإخوان، وتختلف طبيعة المجتمع السوداني عن غيره من المجتمعات العربية؛ إذ لا توجد مركزية في المجال العام، بمعنى أنّه لا توجد عدّة قوى سياسية وأفكار أيديولوجية يمكن تصنيف المجتمع وفقاً لها، ومعظم الكتل الاجتماعية الكبرى لم تكن في تاريخها مؤدلجة، وإنّ وجدت مصالحها مع نظام سياسي أو آخر، ولهذا لا يحوز الإخوان في السودان على قوة اجتماعية كبرى رغم هيمنتهم لمدة 30 عاماً على السلطة بالتحالف مع عمر البشير.
عمسيب: بعد تجربة ثلاثين عاماً في الحكم، وبعد الضربات العنيفة التي وجهها لهم البشير، ومن بعده البرهان، من الصعب أن يجد “الإخوان” موطئ قدم في المشهد السياسي
ومن جانب آخر، أكد البرهان في خطاباته بعد الانقلاب على ألا عودة لحزب المؤتمر الوطني، واستمرار العمل بنهج تفكيك النظام السابق، وحرصه على تطبيق بنود الوثيقة وأهداف الثورة، ووفقاً لذلك لا رغبة لدى البرهان في التحالف مع الإخوان، ولكن يبقى عليه بناء شعبية تؤيده في مقابل الشعبية الثورية، ومن هنا قد يجد الإخوان الثغرة للعودة إلى المشهد السياسي.
وللوقوف على تطورات الأحداث، واحتمالات عودة الإخوان السياسية، حاورت “حفريات” الكاتب والناشط السياسي السوداني، عبد الرحمن عمسيب، والذي أثار جدلاً كبيراً على الساحة السياسية السودانية برؤيته لدولة سودانية باسم “دولة النهر والبحر”، تضم المجتمع النيلي والشرق، مع منح دارفور ومناطق في جنوب البلاد حقّ تقرير المصير، كرؤية جذرية لحلّ أزمة هذه المناطق.
هنا نصّ الحوار:
كناشط سياسي كيف تُقيم إجراءات الجيش في 25 أكتوبر؟
دعنا نُعرف هذه الإجراءات بأنها عملية تصحيح مسار الانتقال الديمقراطي في السودان بعد حراك ديسمبر 2019، وجاءت انطلاقاً من مسؤولية الجيش كمؤسسة وطنية محايدة، تقوم على حماية الوثيقة الدستورية التي تحكم هذا الانتقال.
لماذا أقدم الجيش على هذه الإجراءات؟
الجيش هو العمود الفقري للدولة، وانطلاقاً من مسؤوليته الوطنية، وعبر إرثه الطويل ما كان له أن يترك البلد لتذهب في اتجاه الفوضى والحرب الأهلية، وما كان له أن يسمح لقلة حزبية متشاكسة أن تعبث بمقدرات البلد ومواردها وأمن مواطنيها.
كيف تصف ما قام به الجيش، هل هو انقلاب أم حركة تصحيحية؟
إجراءات الجيش كانت ضرورية، لوضع البلد في مساره الصحيح، وهي خطوات تصحيحية لا يمكن لعاقل أن يرفضها، والقائد العام للجيش شدد في مؤتمره الصحفي على تعيين حكومة كفاءات وطنية مستقلة، تقود البلد لعام ونصف العام، تعقبها انتخابات حرة ونزيهة، وذلك يضمن للسودانيين أن يختاروا من يحكمهم، دون وصاية من قوى حزبية أو غير ذلك، وكيف يرفض هذا من قبل هذه القوى السياسية التي تقول أنها تريد حكماً مدنياً؟!
ما هي مسؤولية المكون المدني عن الوصول لهذه الأحداث وما سبقها من اضطراب سياسي وتردٍ اقتصادي؟
عمليات الانتقال السياسي تحكمها أعراف سياسية ودولية، أولها أن تدير هذه الفترات حكومة كفاءات وطنية مستقلة، بمعنى أنّها لا تخدم رؤية فصيل أو حزب سياسي، وتسمى حكومة تسييرية تحاول أن تدير البلد بالحد الأدنى، لا أن تتخذ قرارات مصيرية وتعقد شراكات وتطلق مشاريع، ويكون مشروعها الأساسي الذي تعمل عليه هو الإعداد للانتخابات، لكن هذه الأحزاب التي عجز بعضها عن تحقيق مقعد واحد في آخر تحدٍ انتخابي قبل حراك ديسمبر 2019، أرادت أن تسيطر على الفترة الانتقالية كاملة بإقصاء الآخرين، وحكمت دون مشاورة أهل الأقاليم وزعماء القبائل وشيوخ الطرق الصوفية والشخصيات المشهود لها بالوطنية والكفاءة.
بجانب ذلك استبعدت الحكومتان السابقتان برئاسة عبد الله حمدوك أكبر حزب في البلاد، وهو حزب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، مرشد الطريقة الختمية، بل ورفضت المجموعة الضيقة التي سيطرت على المجلس المركزي لقحت التشارك مع القوى التي وقعت معها على إعلان الحرية والتغيير، وعلى رأسها الحركات المسلحة وبعض القوى السياسية والشخصيات التي كانت تعارض نظام الإنقاذ، كما أنها حاولت تمديد الفترة الانتقالية، واستبعاد خيار الانتخابات، في سابقة فريدة من نوعها.
ما المخاطر على الأمن القومي التي أشار إليها البرهان في خطاباته؟
المشهد السياسي بكل تعقيداته هو صناعة رئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد، حيث ضمن من خلال اتفاق “كورنثيا” زرع عناصر مدنية تدين بالولاء لإثيوبيا في كابينة الحكومة، وحين كان الجيش يقاتل لاسترداد أرض سودانية محتلة من إثيوبيا (الفشقة) بموارده الذاتية وبمعاونة كريمة من الأشقاء في مصر، لم يقم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بزيارة القوات ولم يدل بتصريح يخدم العملية العسكرية في الفشقة، وكأنّ المعارك تدور في بلد آخر، بل ذهبت هذه الحكومة أبعد من ذلك بتخفيض إمدادات الجيش من وزارة المالية، رغم تأثير ذلك السلبي على الجيش في وقت الحرب.
عمسيب: عبد الفتاح البرهان أعلنها بوضوح أنه يرفض أي توجه أيديولوجي، وأي محاولة لصبغ الفترة الانتقالية بأي صبغة أيديولوجية، وهو حريص على الانفتاح سياسياً على العالم
ولك أنّ تتصور أنّ يقاتل جيشك على الحدود وتجد قيادتك السياسية متعاطفة مع الذين يقاتلهم، وتضن على جيش بلدك بالدعم المادي والمعنوي، أما مجموعة السياسيين الذين يشكلون الحاضنة السياسية للحكومة فلم يكفوا مطلقاً عن التشكيك بنوايا الجيش من الحرب في الجبهة الشرقية.
وفي قضية سدّ النهضة التي تمثل تهديداً وجودياً للسودان، وتهدد الأمن المائي والغذائي للملايين، كان الجيش هو من اتّخذ وأسس الموقف الصلب في المفاوضات، وتجاه القضية بشكل عام، في مقابل ممانعة واضحة من القادة المدنيين والقوى السياسية التي تمثل حاضنة سياسية لهم.
إضافة إلى ذلك، تحيط بالسودان تحديات كبيرة من الغرب مرتبطة بالتنظيمات الإرهابية التي تنشط في أفريقيا الوسطى وتشاد، والنزاع الحدودي مع دولة جنوب السودان، وقضية الحركات المسلحة التي لم يشملها اتفاق سلام حتى الآن، وعلى سبيل المثال يوجد في دارفور وحدها أكثر من 83 حركة مسلحة مسجلة، بالإضافة إلى جيش الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وجيش حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، وكل هذه تحديات أمنية كبيرة تتطلب حكومة متعاونة، تساند جيشها ليستطيع التعامل مع هذه التحديات بما يحفظ أمن البلد واستقراره، وهو الأمر الذي لم يكن موجوداً مع حكومتي حمدوك، المواليتين للحاضنة السياسية في قحت، فقد كانتا حكومات محاصصة حزبية ضيقة.
يتهم المكوّن المدني قادة الجيش بأنّهم من فلول النظام السابق، فما تعليقك؟
كلمة “فلول” أصبحت تُطلق جزافاً على كل من يعارض مجموعة الأحزاب الأربعة، واطلقوها على رفيق دربهم السياسي لمدة عشرين عاماً، حاكم دارفور، مني أركو مناوي، وسرعان ما امتد الوصف ليشمل قادة الحركات المسلحة التي وقّعت معهم على إعلان الحرية والتغيير.
ولا بد من التوقف عند عدّة نقاط لتفنيد هذا الاتهام، ألم يكن الجيش هو من عزل البشير، وليس قوى قحت، ولولا انحياز الجيش للتغيير لما كان لثورة ديسمبر وجود، والأهم أنّ الناس حين لجأت إلى الجيش لإحداث التغيير كان ذلك إيماناً به كمؤسسة وطنية، ولو كان التغيير ممكناً بدون المؤسسة العسكرية لما ذهب السودانيون الراغبون في إسقاط البشير إلى القيادة العامة للقوات المسلحة.
هل نجا الجيش من الأدلجة في عهد حكم النظام السابق؟
لا يمكن أدلجة الجيش السوداني، ورغم محاولات الساسة على مدار العقود الستة منذ الاستقلال لأدلجته ظل عصياً على التدجين، فمحاولات المشير جعفر نميري أخفقت، وأطاحه المشير سوار الذهب، ومحاولات حسن الترابي أخفقت وأطاحه البشير، وكذلك أطاح الجيش البشير وكل قيادات الصف الأول الإخوانية.
ما هي احتمالات عودة العلاقة بين البرهان والإخوان المسلمين؟
البرهان أعلنها بوضوح أنه يرفض أي توجه أيديولوجي، وأي محاولة لصبغ الفترة الانتقالية بأي صبغة أيديولوجية، وهو حريص على الانفتاح سياسياً على العالم، ولك في الخطوات التي قطعها في ملف استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب شاهداً.
وكان البرهان هو من مضى في الخطوات العملية التي أسهمت في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإعادة إدماجه في المجتمع الدولي، وكذلك دوره في تعزيز العلاقات مع الدول الكبرى في المحيط الإقليمي مثل مصر والسعودية والإمارات، كما أنه قصّر المسافة نحو البيت الأبيض بقطع شوط طويل في ملف العلاقات السودانية – الإسرائيلية، فهو رجل عسكري محترف، متحرر من أوهام الأيديولوجيا، ويريد أنّ يمضي بالبلاد إلى الأمام.
ما هو موقف إخوان السودان من أحداث 25 أكتوبر؟
حتى الآن الفئات التي تقدم الدعم والإسناد للبرهان هي المجموعات الوطنية غير الحزبية والإدارات الأهلية والطرق الصوفية، أما الإخوان فيرون أنّ الجيش يمضي في إخصاء الحياة السياسية، وأنه سيقضي على مجموعة الأربعة أولاً ثم يأتي الدور عليهم، لذا فإنهم يتخذون وضع المراقب حتى الآن.
وماذا عن موقف التنظيم الدولي والإخوان غير السودانيين؟
التنظيم الدولي يصارع البرهان بأدواته الإعلامية، المتمثلة في قناة الجزيرة والتلفزيون العربي وقناة الشرق ومكملين وبعض المنصات التي تعرف نفسها بأنها مستقلة لكن هواها السياسي معلوم.
وقبل أيام قام القيادي المصري الموالي للإخوان أيمن نور بعرض منصته ومساحة بثه كاملة للمجموعات التي تعارض البرهان، وتسعى لتفكيك الجيش، وذلك موجود لمن يريد التأكد، وموقف التنظيم الدولي واحد ضد البرهان، لأنهم يعتقدون أنّ هذا التغيير مبارك من قبل دول الاستقرار (مصر، والسعودية، والإمارات)، ولهذا أرى أنّ البرهان يدفع ثمن علاقاته الإيجابية بهذه الدول الشقيقة.
ما هو وزن الإخوان المسلمين في الشارع السوداني؟
بعد تجربة ثلاثين عاماً في الحكم، وبعد الضربات العنيفة التي وجهها لهم البشير في مرحلة خلافاتهما، ومن بعده البرهان عبر لجنة التمكين، أعتقد أنه من الصعب أن يجد التنظيم موطئ قدم في المشهد السياسي.
لو خرجنا من ثلاثية المكون المدني والعسكريين والإخوان المسلمين، هل هناك حواضن اجتماعية وشعبية تؤيد أحداث 25 أكتوبر؟
نعم، وأذكر منها مجالس شورى قبائل نهر النيل، والتي تضم أكبر قبيلة في الشمال وهي قبيلة الجعليين، والمجموعات الانفصالية في الشمال والوسط وعلى امتداد النيل وروافده، وفي الشرق أعلن زعيم نظارات البجا، الناظر ترك، قائد حراك الشرق، تأييده ومباركته لإجراءات الجيش، بالإضافة إلى حركات دارفور الموقعة على اتفاق السلام، والقيادات الأهلية في كردفان.
وهذا التغيير تدعمه قوى الاستقرار، التي تُسمى “حزب الكنبة العريض”.
برأيك ووفق متابعتك ما هو الوزن الأقرب للواقع للقوى السياسية المحسوبة على الثورة؟
هذه القوى والأحزاب لا شعبية كبيرة لها، وفي تصريح قبيل حراك ديسمبر 2019، قال وزير مجلس رئاسة الوزراء في حكومة حمدوك المنحلة، خالد سلك، “نحن نعلم أنّ الانتخابات لا يمكن أنّ تأتي بنا، فنحن أحزاب أقليات”.
وتتستر هذه الأحزاب بالتحالف الموسع الذي يخفي أوزانها، والشعارات البراقة التي تجذب الشباب الغاضب والمندفع، وللأسف تسلط هذا الغضب على الجيش في محاولة لتحميله كل المسؤولية وإجباره على تقديم التنازلات، التي تمكنها من الانفراد بالحكم دون تفويض.
ماذا عن المواقف العربية والدولية من الأحداث؟
ما يجري مع الجيش الآن مماثل لما تعرض له الجيش المصري بعد التغيير في 30 يونيو 2013، ونفس الإجراءات تُتخذ؛ من محاولات العزل الدولي وتجميد المعونات والمساعدات وبيانات الإدانة الجماعية، خصوصاً وأنّ معظم المجموعات والأحزاب السياسية المحسوبة على الثورة تستقوي بالخارج، وتجد فيه ملاذاً أمناً، ويحتاج النظام الجديد إلى المساندة من كافة الدول الشقيقة والصديقة حتى ينجح في العبور من عنق الزجاجة.
ما هي توقعاتك لمستقبل الأزمة؟ وهل يمكن إجراء حوار بين القوى السياسية والعسكريين؟
القوى السياسية تتطرف في خطاباتها، نحن نقرأ في منصات التواصل الاجتماعي عن المشانق، وتسليح المحتجين، وهذه القوى تستثمر في هذا الهياج، وتدفع نحو العنف والمواجهات، وفي تقديري ستفقد السيطرة على المحتجين، وسيصبح خيار التسوية السياسية مكلفاً لها، للحد الذي لن تستطيع طرحه أمام مؤيديها.
وإذا كانت هناك فرصة للحوار يجب أن يتركز حول آجال الانتخابات، والترتيبات التي تسبقها من قانون الانتخابات والمفوضية القومية للانتخابات والتعداد السكاني، أما التفاوض الذي يقود إلى استعادة سيطرة الأحزاب على الفترة الانتقالية فيعني العودة إلى مربع الأزمة الأول، والذي دفع الجيش للتحرك وتصحيح المسار.
هل تتوقع استمرار التصعيد الاحتجاجي من الثوار؟
لا أعتقد ذلك، هذه الموجة ستنتهي قريباً، لأنّ الناس شبعوا من الفوضى والاحتجاجات، ويحتاجون للاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها.

أجرى الحوار: حامد فتحي
حفريات