نزار العقيلي: (عودة حمدوك وحقيقة قحت)
تقول الطرفة القديمة بأن هناك سيدة مصرية كانت ( داقة جرس ) يومياً في زوجها طالبة منه الرحيل إلى شقة أخرى لأن الشقة التي يسكنون فيها صارت ضيقة بعد أن زاد عدد أولادهم وكثرت زيارات أهل الزوجة.. وشاور الزوج أحد أصدقائه وحكى له عن عدم مقدرته المالية لمقابلة تكاليف شقة جديدة وعدم استعداده نفسياً لسماع (النقة) اليومية من زوجته .. وصديقه نصحه بأن ينفذ برنامجاً غريباً لكنه مجرب .
طلب منه أن يقوم بإحضار قفص مليء بالدجاج و يقوم بتربيته في الشقة.. وفعلاً أحضر الزوج الدجاج وانفجرت السيدة بالاحتجاج والصراخ ، لم يهتم لأمرها على الرغم من مطالبتها اليومية بإخراج الدجاج إضافة إلى ذكر الرحيل من الشقة كأمر ذي أهمية قصوى .. والمستشار نصح صديقه مرة أخرى بأن يحضر (غنماية) ويجعلها تعيش معهم في الشقة إضافة لما هو موجود من دجاج و بشر .. وهنا ارتفع صراخ الزوجة وطالبت بإخراج الدجاج وإخراج الغنماية.. والرجل تجاهل مطالبها اليومية لكنه لاحظ أن المطلب الأول الخاص بالشقة قد صار خافتاً جداً.. والمستشار نصح صديقه بأن يقوم بإحضار بقرة (عديل كده) ويدخلها في الشقة لتعيش مع الدجاج والغنماية والزوجة بالطبع (كوركت) و (احتجت) و (أدانت) و (شجبت) هذه التصرفات غير المسؤولة.. وطالبت فوراً بإزالة كل آثار العدوان المترتب على استيطان الدجاج وتوطين الغنماية وتمكين البقرة.. وظلت تشتكي إلى أهلها وجيرانها وكل المعارف.. وقام الرجل باستشارة صديقه الذي نصحه هذه المرة بأن يبدأ من حيث انتهى وأن يقوم بإخراج البقرة.. وفعلاً عندما خرجت البقرة كانت الزوجة قد هدأت وتنفست الصعداء.. وبعد أسبوعين تم إخراج الغنماية.. فطربت الزوجة لهذا القرار واعتبرته إنجازاً (ثورياً) وحسبته أحد مكتسباتها النضالية وهدأت أكثر .. ثم إن الرجل بعد شهر قام بإخراج الدجاج من الشقة.. فزغردت الزوجة و (نططت ) من الفرح وأقامت الولائم و (اشادت) بهذا التطور السياسي في بيئة النضال (المنزلي).. ومن المؤكد أنها نسيت تماماً مشروع الشقة الجديدة وبهذا تكون المشكلة قد (انحلت) وساد (الوفاق) بين الزوج و زوجته .
اخترت لكم هذه الطرفة التي رويتها لكم من قبل ك مقدمة لما أود الحديث عنه لأن هذه الطرفة تطابق ما يحدث الآن تماما” حيث استخدم البرهان سياسة الزوج في القصة اعلاه منذ ان تم توقيع اتفاق جوبا الذي كان بمثابة قفص الدجاج الذي جعل قحت تصرخ بعد دخوله ضمن الشراكة و ذاد عليه البرهان عندما حدثت المحاولة الانقلابية التي جعلت عضو المجلس الفكي منقة يصرخ و طالب الشعب قائلا ( هبوا ) حينها ادخل البرهان غنماية القصر فصرخ القحاطة و طالبوا بإقصاء هذا القفص من المشهد و حينها طالب البرهان بالتوسعة و الوفاق فازداد الصراخ و العويل من جانب القحاطة فخرج البرهان و اعلن حل مجلسي السيادة و الوزراء و تجميد بعض المواد بالوثيقة الدستورية و إعتقاله لبعض الوزراء و القيادات السياسية و زاد على ذلك بادخاله لبقرة الاقامة الجبرية التي فرضها على حمدوك فإزداد العويل و الصراخ و الآن تجري الوساطات لإعادة الشراكة بمفهوم جديد يجعل القحاطة يصمتون الى الأبد .. و قد يرى كثير من المراقبين بان اخراج بقرة الاقامة الجبرية ( عودة حمدوك ) تعتبر إنتصارا” لقحت و لكن في الحقيقة هي سياسة ذكية استخدموها البرهان و حمدوك معا” لإبعاد الأحزاب من الحكومة التنفيذية تماما” .
اما موقف قوى إعلان الحرية و التغيير أمام الشعب السوداني فقد اصبح موقفا” مؤسفا” للغاية بعد ان ظهروا بمظهر الفتاة التي دعاها الكاتب الساخر برنارد شو لتقضي ليلتها معه حيث ذكر ( برنارد شو ) في مذكراته طرفة حقيقية حدثت معه عندما كان ضيفا” في إحدي الحفلات جلست بجواره إمرأة فهمس لها في أذنها قائلا” ( هل تقبلين بان تقضي معي ليلة مقابل مليون جنيه ؟ ) ، إبتسمت المرأة و قالت له ( طبعا” بكل سرور ) ، عاد و سألها قائلا” ( هل من الممكن أن نخفض المبلغ الي عشرة جنيهات ؟ ) ، غضبت المرأة جدا” و صرخت في وجهه قائلة ( من تظنني أكون ؟ ) .
فقال لها ( سيدتي ، نحن عرفنا من تكونيين ، نحن فقط إختلفنا علي الأجر ) .
وقد أدرج الكاتب هذه القصة الساخرة في مذكراته مشبها إياها بما يحصل في مجال السياسة والإعلام حيث تتغير المواقف السياسية عند الإنتهازيين بناءاً على من يدفع أكثر ، فإذا إنخفض أجرهم إنقلبوا إلى المعارضة وحدثونا عن الوطنية والمباديء والشرف .
و قد شاهدنا جميعنا كيف كانت مواقف الاحزاب عندما اتفقوا مع البرهان و حميدتي على مبلغ المليون فقالوا لنا بان برهان اعظم ضابط جيش و حميدتي ضكران و كذلك رأينا كيف تبدلت مواقفهم عندما انخفض هذا المبلغ لعشرة جنيهات .. فالشعب يعلم من هم الاحزاب و يعلم بان الخلاف بين قحت و العسكر هو خلاف على الأجر فقط و ليس المطالب و المبادئ .
نزار العقيلي
لعلهم …. يقتنعون ….. ويدركون
تبآ لكل القحاتة