عبد اللطيف البوني يكتب: حسكنيت السياسة
(1 )
مازال في ذاكرتي كلام قرأته قبل عدة عقود للموسيقار الكبير يوسف الموصلي حيث قال انه لم يكن منشغلا بالسياسة وليس لديه اي اهتمام بها، ولكن عندما طبق نميري قوانين الشريعة الإسلامية 1983 المصطلح عليها باسم قوانين سبتمبر وجد ان السياسة فرضت عليه فرضا تذكرت كلام الموصلي عندما قابلت احد الأصدقاء من المزارعين فشكا لي انه يبحث عن سماد داب اذ تصاعدت أسعاره بصورة جنونية ثم اختفى من المحلات فأخذ يلعن لي في سنسفيل السياسة قائلا (ياخي نحن ما ناس سياسة وما عندنا غير زراعتنا دي لكن برضها السياسة ما مخليانا) فأثار فضولي أكثر فقلت له ما دخل السياسة في أسعار الداب فاستنكر سؤالي قائلا (قبل الجوطة دي أكان الداب معروض في المحلات ففجأة اختفى يعني نقول بلعته الواطا ؟) بالطبع كان الرجل مصيبا في مجمل قوله ولكن قد تنقصه الحيثيات فالداب وبقية الأسمدة بدأت أسعارها في الارتفاع بمجرد ظهور خبر المحفظة التي أنشأتها الحكومة للمدخلات الزراعية ثم ظهرت أخبار الشركة إياها (ما بجيب اسمه الهوا بقسمه) التي عهد إليها الأمر فنامت على الخط ثم جاء إغلاق الناظر محمد الامين ترك للميناء ليختفي الداب ويدخل السوق (المجنون) ويرتفع سعره بنسبة 50%.. اذن ياجماعة الخير الناس لو تركت السياسة وانصرفت الى أرزاقها فان السياسة سوف تلحقها في مكان رزقها.
(2 )
مع كل الذي تقدم دعونا نسعى لتحرير أرزاقنا عن السياسة لأن ما يحدث في السودان ليس هو الأصل انما الأصل هو ان السياسة لاتدخل في معايش الناس إلا بالحد الأدنى، فعندك ايطاليا فعندما كانت هناك أزمة سياسية واستمرت البلاد لأكثر من عام بدون حكومة ظلت الحياة تمضي كالعادة وكل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية تعمل كالمعتاد بما في ذلك قطاع السياحة وهو قطاع حساس ولكنه لم يتأثر إطلاقا لان السياح يدركون ان الأزمة السياسية لاتنعكس على بقية الأنشطة . في ذات ونسة مع أحد طلابي من تشاد سألته عن أحوال الناس هناك بعد مقتل ادريس ديبي وما أعقب ذلك من تطورات سياسية، فقال لي ان الحياة تمضي كالمعتاد ولم تتأثر اطلاقا بما يجري وسط النخبة السياسية. إذن ياجماعة الخير في الدول المتقدمة وفي الدول التي مثل حالتنا لاتتأثر حركة المجتمع بالعك السياسي الذي يجري في العواصم فما بالنا ؟
(3 )
طبعا هذا الأمر يرجع لعوامل كثيرة ومتداخلة ويحتاج مباحث جادة ولكن خطفا كدا خلوني أقول ليكم ان العلة في النخبة السياسية السودانية لان تربيتها السياسية متدنية، فالمنصب السياسي عندها وسيلة للكسب والوجاهة والمكانة الاجتماعية لذلك أصبح الصراع على السلطة يجري بدون اي كوابح وتحت شعار (يافيها يا أطفيها) ، فظهر الفجور السياسي والشيطنة المتبادلة بين الحاكم والمعارض فاذا كان ذلك كذلك فعلينا ان نبدأ من المنصب السياسي وذلك بتحريره من المنفعة الذاتية مادية كانت أو معنوية . يجب ان يتحول صاحب المنصب السياسي الى فئة ذوي الدخل المحدود، فالآن المنصب السياسي يحول صاحبه الى مشروع رأسمالي ليس وحده بل كثير من أفراد اسرته . ياجماعة حديثنا هنا ليس عن المرتبات، فالمرتبات دي أضعف حلقة في دخل المسؤول السياسي إنما في الامتيازات والفرص المتاحة (سلطة للساق ولا مال للخناق)، فلنبدأ بتجريد السلطة من السطوة حتى يزهد فيها الحرامية، وللحديث بقية إن شاء الله.
صحيفة السوداني
البوني الرايق دايما
يا تقرا للبوني يا بلاش
فعلا الحاصل عندنا دا لا اظن موجود في اي دولة
حسنيت بس