خطاب السودان اليوم .. عدم سفر حمدوك لنيويورك .. بسبب الأوضاع الداخلية أم عدم تسديد المُتأخِّرات؟
بعد أن كان من المقرر أن يقود رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك وفد السودان رفقة وزيرة الخارجية مريم الصادق وعدد من المختصين للمشاركة في اجتماعات الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي بدأت فعالياتها الثلاثاء الماضي، ووضع جدول أعمالها خطاب السودان ضمن فعاليات جلسة اليوم “السبت”، أكدت مصادر مطلعة ان رئيس الوزراء د. حمدوك سيقدم الخطاب اسفيرياً عبر تقنية الفيديو من مكتبه بالخرطوم.
وان كانت مصادر عليمة قد كشفت لـ”الصيحة” ان رئيس الوزراء لن يغادر الى الولايات المتحدة، فقد اكدت ذات المصادر أنّ وزيرة الخارجية رأت ان المشاركة الاسفيرية تتفق مع مطالب الأمم المتحدة القاضية للالتزام بالاشتراطات الصحية الخاصة بجائحة “كورونا”، لكن ذات المصادر اعادت عدم سفر حمدوك لحضور الاجتماعات الى أهمية وجوده في السودان نظراً للأوضاع الراهنة التي تعيشها البلاد.
وبحسب معلومات تحصلت عليها “الصيحة”، فإن أبرز الملفات التي ستطرح في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هي كيفية العمل على تجاوز أزمة “كورونا” وبناء القدرات للتعافي من الجائحة، بجانب إعادة بناء الاستدامة والاستجابة لاحتياجات الدول الأعضاء، فضلاً عن القضاء على الأسلحة النووية والتنمية المستدامة، ويتوقع أن يلقي رئيس الوزراء خطاب السودان في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
وان كانت مصادر “الصيحة” قد أشارت دون مواربة الى ان سبب عدم سفر حمدوك يعود لتداعيات الأوضاع المتفجرة في شرق السودان، فضلاً عن الخلافات التي انفجرت بين المكونين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية بعيد الإعلان عن إحباط محاولة انقلابية الثلاثاء الماضي، لكن مصادر أخرى كشفت لـ”الصيحة” أن سبب عدم سفر حمدوك لحضور الاجتماعات ربما يعود لتأخر دفع الاستحقاقات، وأشارت لتفاقم متأخرات السودان بالجمعية العامة للأمم المتحدة، ولفتت إلى أن المتأخرات تصل إلى 600 ألف دولار، وأن السودان يحتاج لتسديد 50% من المتأخرات حتى يتمكّن من التصويت في أي موضوع يُطرح للتصويت في تلك الاجتماعات، وأشارت المصادر إلى أن المتأخرات لا تمنع السودان من ان يقدم خطابه، لكنه بالمقابل سيُحرم من التصويت في اجتماعات الجمعية العامة وكل آلياتها المساعدة في أي مشروع قرار أو منشط يتطلب أخذ موافقة رأي الجمعية العامة وآلياتها, ما لم يسدد على الأقل 50% من متأخراته المالية لميزانية الجمعية العامة.
الحرمان
دبلوماسي عمل سابقاً في البعثة الدائمة فضّل حجب اسمه اوضح لـ”الصيحة” أن الدول التي تُحرم من التصويت في الامم المتحدة وآلياتها درجت العادة تصنيفها من قائمة الدول الفقيرة التي تعاني من النزاعات وغالباً لن يتجاوز عددها دولتين أو ثلاث، حيث تصدر نشرة بحرمانها من التصويت، وتساءل المصدر هل السودان وصل لهذه الدرجة بحيث يصعب عليه تسديد جزء من متأخراته حتى يتجنب الحرمان والفضائح الدبلوماسية المترتبة على ذلك، لافتاً الى أن التصويت في ذاته ليس بالمشكل الكبير، غير ان الفضائح الدبلوماسية هي الأكثر تأثيراً، ولفت إلى ان البعثة تواجه تعثراً في دفع متأخرات الشركة المقدمة للخدمات ومع استبعاده لاي أمر تقاضي يفضي لنزع مقر البعثة المملوك للدولة، إلا أنه رغم الحصانة فإن البعثة وبقية المقار المؤجرة الخاصة بالبعثات كمقار سكن الدبلوماسيين لن تمنعها الحصانة الدبلوماسية من مواجهة المحاكم في حال تعذر السداد.
لا علاقة
ولكن مصدرا آخر من داخل وزارة الخارجية، أكّد أنّ أمر عدم سفر حمدوك لا علاقة له بالمتأخرات، مّشيراً إلى أنّ المتأخرات تحرم التصويت ولا تحرم المشاركة بالحضور وإلقاء خطاب، واستدل على ذلك بأن حمدوك سيقدم خطاب السودان اليوم “السبت” عبر تقنية الفيديو، مبيناً ان اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مخصصة في الأساس لدراسة الأوضاع المتعلقة بتفشي فيروس كورونا، ما يجعل من الأفضل ان تلتزم كل الدول بالاشتراطات التي تطلبها الأمم المتحدة نفسها. وقال في حديث لـ”الصيحة” ان مشاركة حمدوك عبر الفيديو عين العقل وكان يمكن ان تعقد الاجتماعات كلها عبر تقنية الفيديو.
عراقيل
ولكن الدبلوماسي الذي عمل سابقًا في البعثة الدائمة وفضّل حجب اسمه، ألمح لـ”الصيحة” الى أن هنالك جهات تسعى لعرقلة انسياب بنود التمويل الخاصة بالبعثات الدبلوماسية عموماً، كاشفاً عن تحركات متسارعة تبذلها قيادة الوزارة لحسم المتأخرات المالية لكنها لا تجد الاستجابة وتصطدم بعراقيل غير مرئية. ويرى المصدر أنه من غير اللائق أن يترك دبلوماسي يعمل لصالح الدولة السودانية بدول التمثيل دون ان يجد حقوقه المستحقة وفق لوائح وقوانين العمل, لتصبح نهبًا للإغراءات والاختراق الخارجي.
أولويات
ليست هي المرة الأولى التي تجد البعثات الدبلوماسية السودانية نفسها في حرج دبلوماسي لعدم دفع استحقاقات الاشتراك للمنظمات الدولية والإقليمية التي يشارك السودان في عضويتها.
ويعتقد السفير عبد الرحمن ضرار أن وزارة المالية وبعض الجهات المعنية لا ترى ان دفع هذه الاستحقاقات من الأولويات، بالتالي تلك الجهات لا يتحسبون للأثر السياسي المترتب على ذلك، ويشير الى ان هذه الاشتراكات معروفة ومجدولة، ولفت الى أن المشكلة يتسبب فيها سوء التنسيق، ورغم إقرار السفير ضرار بالصعوبات الاقتصادية التي تُواجه البلاد، إلا أنه يعتقد أن المالية بإمكانها تدارك الموقف، خاصةً وان المبلغ ليس كبيراً مقارنة مع الحرج المترتب عليه.
مواقف مماثلة
عدم دفع الاشتراك ووضع البعثة في البلد المعني وقيادة الدولة المشاركة في واجهة الإحراج السياسي، تكررت عدة مرات، كما أفاد “الصيحة” بذلك سفير فضّل حجب اسمه واجه ذات المشكلة في وقت مضى، مُشيراً الى أن أحد الاجتماعات في احدى المنظمات الاقليمية تخص السودان وتفاجأ وفد السودان والذي كان يتراسه آنئذ رئيس الدولة ان السودان ليس مسدداً لاشتراكاته السنوية، الأمر الذي دفع بإحدى السفارات بان تسارع بابتعاث ممثل عنها للدولة المستضيفة لتسديد مبلغ الاشتراك وبالتالي تم تدارك الحرج، الامر الذي مكن وفد السودان من المشاركة بارتياح، خاصة وان المنشط كان يتعلق بالسودان نفسه.
عبء إضافي
مصدر دبلوماسي حمّل مسؤولية تأخر سداد اشتراكات البعثات واستحقاقات البعثات المالية لوزارة المالية، ورأي ان الوزارة ترغب في اعتماد منسوبين لها كملاحق بالبعثات، واعتبر المصدر تعيين مبتعثين يمثل عبئا اضافيا للحكومة، وأكّد لـ”الصيحة” أن عددا كبيرا من البعثات لديها دبلوماسيون على قدر كبير من المعرفة المحاسبية والاقتصادية تمكنهم من إدارة شؤونهم المالية دون حاجة لمحاسب تصرف عليه الدولة ويكون عبئا إضافيا على خزينة الدولة المالية.
تقرير- مريم أبشر
صحيفة الصيحة