السودان الآخر
نداء النجوم
محمد المبروك
ameen313@hotmail.com
* هناك، بعيداً عن ضجيج الخرطوم وجدل صفوتها الذي لا ينتهي، تكتسي البادية السودانية بالخضرة والماء والوجه الحسن. في موسم الخريف، تنتعش الحياة بعد طول قتر وضيق، وتفور (وسائل الإنتاج) في قطاعي الثروة الحيوانية والزراعة المطرية، فينتج الرعاة والزراع، دون ذرة ادعاءات، ما ينعش الدخل القومي السوداني من صادر الحيوان والزراعة، وما يكفي الناس، في ريفهم الوديع، مؤونة العام من ذرة ودخن وفول وسمسم.
* تنتشر قطعان الإبل والضأن في السهول الخضراء، وخلفها الرعاة والظعينة لا يبالون بجدل الحكم في الخرطوم لأنهم لا يرجون منها نوالاً، وتلك بصيرة البدوي وفراسته فقد أدرك – مبكراً بعد خروج الإنجليز – أن الخير، كل الخير، أن تتركه الدولة في شأنه، وهذا ما توصل له المفكرون السياسيون اليوم، بأنّ لا خير في دولة ما بعد الاستعمار وإننا – ربما – استبدلنا مستعمراً بمستعمر جديد أشد قسوة من المفتش الإنجليزي.
* يقول البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، أحد أهم كتابنا المهتمين بشأن البادية، في سياق دفاعه عنها:” والله لو كنا أسرى هذا العقل الرعوي حقاً لأحسنا صنعاً وسلمت الأمة. فما يزال هذا العقل الملعون صفوياً يجلب ٤٤٨ مليون دولار للدخل القومي بتصدير سعية يتولى ترشيدها في بيئة قاحلة بعامة يتسقط في مراحيله كل قطرة ماء وكل خصلة نبات. ويحتل السودان المركز الأول عالمياً في هذه الصناعة، الشيء الذي لم يقع لنا من القطاع الحديث.”
* لو كنتُ ناصحاً لحكومة الدكتور حمدوك، لنصحتهم بمغادرة الخرطوم والرحيل إلى مدينة الأبيض أو القضارف في موسم الخريف وجعل، أياً منها، عاصمة موسمية تدار شؤون الدولة فيها، وتصبح السلطة السياسية قريبة ومرتبطة بقضايا الزراع والرعاة في هذا الموسم الثمين. في الماضي، كان الوزير الشريف حسين الهندي، يفعل مثل هذا مع مشروع الجزيرة.
* من الفوائد الإضافية، التي ستفيد حمدوك ورهطه، أنّها ستوسع مدارك القيادة السياسية التي يشوش عليها ضباب قضايا الصفوة في الخرطوم، والتي هي قضايا، في أحسن الأحوال، لا حل لها في المدى القريب.
صحيفة اليوم التالي