الطريق إلى الزراعة التعاقدية (1 )
القطن محصول نقدي هام ولكن المشكلة كانت دوما في علاقات الإنتاج المصاحبة لانتاجه فلن نبعد النجعة كثيرا إذا قلنا ان علاقات انتاج القطن في السودان قد ارتبطت تاريخيا بالظلم الكبير الواقع على المزارع، ويكفي ان نشير هنا الى واقعتين تثبتا ذلك الأولى حادثة عنبر جودة 1953 في النيل الأبيض التي راح ضحيتها أكثر من مائة مزارع اختناقا في السجن ولأنهم احتجوا على علاقات الانتاج المائلة لصاحب المشروع، أما الثانية فهي إضراب مزارعي الجزيرة الشهير 1946 الذي كان احتجاجا على مال الاحتياطي الذي خصمته الإدارة وحجبته عنهم، فإذن كان هناك وعي من جانب مزارع القطن بالظلم الواقع عليه.
(2)
أستاذ علم الاجتماع بجامعة الخرطوم توني بارنيت، والذي أمضى عاما كاملا في مشروع الجزيرة (1971 -1972 ) بقرية النويلة توقف على البؤس والفقر الذي يعيش فيه مواطن الجزيرة رغم انه ينتج محصولا نقديا هاما وأصدر كتابا وصف زراعة القطن بانها عبارة عن سخرة ويستبين فيها ظلم الإمبريالية العالمية لمواطن العالم الثالث، وكم كان الخواجة صادقا لأن علاقات الانتاج كانت تقوم على الحساب المشترك وهو في أبسط معانية ان يباع القطن ثم تأخذ الدولة نصيبها كاملا وكذلك الإدارة، أما نصيب المزارع فتخصم منه كامل التكلفة ثم يوزع الباقي على المزارعين كل حسب انتاجه ليكون الفرق بين الذي ينتج مائة قنطار والذي ينتج عشرة قناطير جنيهين أو ثلاثة فقط فهو يعني ان يتحمل المزارع المنتج خسارة المزارع المتدني الإنتاجية وحتى هذا الأخير كان يمكن ان يزرع محصولا بخلاف القطن ويكون مربحا ولكن طالما ان تكلفته على حساب أخيه المنتج فرض عليه القطن لذلك وصفت زراعة القطن يومها بانها مشروع إفقار ليس إلا .
(3 )
أكبر طفرة حدثت في علاقات الانتاج في زراعة القطن كانت 1984 عندما أدخل الحساب الفردي بتوصية من البنك الدولي لمعالجة تدني الانتاج فتحسن موقف المزارع قليلا ولكن ليس بالدرجة المطلوبة لأن هناك عدم شفافية في حسابات التكاليف، وكان القطن مفروضا رغم تدني أسعاره العالمية لدخول النفط في صناعة الملابس (التترون) ومع ذلك كان الإصرار على مواصلة زراعة القطن لأنه هو الذي يمكن من الهمينة على المشروع وسلب إرادة المزارع فعاد تدني الانتاج بأسوأ مما كان أيام الحساب المشترك الى ان جاء قانون 2005 وهو الآخر بتوصية من البنك الدولي وفيه تحرير كامل لإرادة المزارع، ولكن كانت هناك مقاومة شرسة للقانون من قبل الإدارة التي أنهى القانون وجودها وكان هناك تعسف وتسرع في التطبيق من جانب الإنقاذ بحكم طبيعتها القمعية ثم مع وجود النفط حدث إهمال للزراعة بما فيها القطن .
(4 )
رغم التسيب استفاد المزارع من الحرية التي أتاحها قانون 2005 فهجر زراعة القطن فانخفضت المساحة المزروعة في الجزيرة من ستمائة الف فدان كحد أقصى الى ثلاثين الف فدان فقط كحد أدنى الى ان حدث أمران قفزا بزراعة القطن، الأول هو دخول القطن المحور وراثيا، والثاني دخول القطاع الخاص عن طريق التعاقد مع المزارعين مباشرة، فشركات القطاع الخاص وفرت كافة المدخلات وحددت أسعار التركيز فأزالت بذلك كل المخاطر وفي تطور لاحق أصبح المزارع يمول نفسه بنفسه ويكفي ان نشير هنا إلى انه في هذا الموسم 2021 \21 20 قد وصلت المساحة المزروعة قطنا في السودان فوق المليون فدان معظمها تمويل خاص، وبرضو تقول لي ….نواصل غدا إن شاء الله.
صحيفة السوداني