التردي الاقتصادي .. أكبر مهدد للفترة الانتقالية
حذر مراقبون من أن يُعجل تردي الأوضاع الاقتصادية بانتهاء الفترة الانتقالية لحكومة الثورة لجهة أن المواطنين بعد الثورة أملوا في تحسن أوضاعهم الاقتصادية، إلا أن آمالهم باءت بالفشل، والآن تبدو الأوضاع أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الإطاحة بالنظام السابق، فالتضخم وصل أرقاماً فلكية جاوزت نسبته 422% وانخفضت قيمة الجنيه وأصبح سعر صرفه مقابل الدولار 450 جنيهاً، فضلاً عن معاناة المواطن في الحصول على خبز جيد لجهة أن المدعوم بات رديئًا للغاية وبسعر مناسب، لأن هنالك خبزاً تجارياً يضطر المواطن لشرائه، بجانب زيادة فاتورة النقل بصورة كبيرة بسبب رفع الدعم عن الوقود، الأمر الذي انعكس سلبا على تعرفة المواصلات التي باتت لا تحتمل، فيما قفزت تكاليف العلاج والأدوية لمستويات فلكية، علاوة على المعاناة من قطوعات الكهرباء وزيادة أسعارها لأرقام فلكية ضاعفت معاناة المواطنين، وبالتالي وفقًا لهذه المعطيات باتت الأوضاع الاقتصادية تعصف بأحوال المواطنين يوماً بعد آخر دون حلول تلوح في الأفق. تفاؤل حكومي
ورغم أن وزراء الحكومة الانتقالية بدءأ من رئيس مجلس الوزراء ظلوا يذكرون إنجازات حكومتهم وكيف أنها أخرجت البلاد العام الماضي من قائمة الدول الراعية للإرهاب وأنهت بذلك مرحلة طويلة من الحصار الاقتصادي وبدأ معها عهد يتكامل فيه اقتصاد السودان مع اقتصاد العالم، بما يفتح الطريق لرفع عبء الدين الخارجي أكثر من 60 مليار دولار، وإعفاء المتأخرات للمؤسسات المالية الدولية، وإعفاء نادي باريس 14 مليار دولار من ديون السودان.
نهج مجرب
وفي الشأن، يرى الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن الحكومة الانتقالية لم تفعل سوى السير بذات خطى النظام السابق وانعدام الرؤية الوطنية وانتظار حلول الآخرين، عاقداً مقارنة بين ما واجهته حكومة البشير في العام 2011 حين انفصل جنوب السودان حاملاً معه، 70% من عائدات النفط كانت تمثل 50% من إيرادات الموازنة فواجه أوضاعاً صعبة، لأنه لم يستفد من الموارد التي توفرت وقتها في تحريك عجلة الاقتصاد وتنفيذ تنمية مستدامة، واتجه وبسبب النظام السابق نحو دول الخليج للحصول على مساعدات وحصل عليها بالفعل لكنها لم تحل عقدة الاقتصاد. ويتابع “الآن نفس الوضع يستمر بيد الحكومة الانتقالية التي تعول على أموال الخارج، وفي ظل انتهاء الحصار هي تنتظر مساعدات من مؤسسات التمويل الدولية، والمشترك بين النظامين هو الاعتماد على الخارج مع إهمال تام لتحريك قطاعات إنتاج سوداني فكان من الطبيعي أن تكون النتيجة واحدة”.
ويحذر عميد كلية الاقتصاد بجامعة أم درمان الإسلامية د. محمد خير من إصرار الطاقم الاقتصادي للحكومة، على التماهي مع توجهات وسياسات الصندوق والبنك الدوليين، وقطع بأنه يضع الحكومة في حالة تصادم، لا مفر منه، مع الشعب، مبيناً أن روشتة الصندوق تحتاج إلى وضع خطة معينة. الخارج ليس حلاً ومع ذلك هنالك من يؤكد أن الحكومة ورغم التردي الاقتصادي، حققت مكاسب اقتصادية بالعودة أخيراً إلى النادي المالي العالمي الذي يكفل للسودان الحصول على قروض من الصناديق الدولية حرم منها لأكثر من عقدين، وهو ما يفتح الباب لبناء مشروعات ضخمة في المستقبل.
غير أن المحلل الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل يقول إن عودة السودان للمؤسسات العالمية ليس سوى مخرج بطء للأزمة ولا يقدم أي حلول لمشاكل الناس الآنية، خاصة أن تعهدات البنك الدولي بالمساعدة ستوظف لمشروعات بعيدة المدى، ويؤكد المهل أن أزمة الحكومة تكمن في سوء التخطيط والإدارة وعدم القدرة على ابتداع حلول وانعدام الخبرة، كما أن أولوياتها تختلف عن المواطن، حيث تركز جهدها على قضايا السلام والأمن والحركات المسلحة، ويتم الصرف على هذه البنود بشكل أعلى، وهو ذات نسق النظام السابق المؤدي للتردي والانهيار.
مكاسب خارجية
ولكن.. ويؤمن محمد خير على أن الانفتاح على العالم الخارجي، وغيره من مكاسب دبلوماسية، لن تكون بديلاً عن المطالب الملحة للمواطنين، فالغلاء الطاحن، وتدهور القيمة الشرائية للعملة المحلية، تدفع بالمزيد من المواطنين إلى الفقر، بأكثر مما كان عليه الوضع في ظل حكم النظام السابق، وهو علامة فشل للحكومة، لا يقلل منها إعادة ترتيب الأولويات التي تعطي الإنجازات الخارجية موقعاً متقدماً.
وكمخرج من عنق الزجاجة يقول المهل إن على الحكومة الانتقالية “قلب الهرم” بوقف الصرف على قطاعات الأمن والدفاع والسيادي وتحويل نسبة 80% التي كانت مخصصة لتلك البنود إلى التعليم والصحة والصناعة، على أن تذهب 20% لتلك القطاعات مع وضع حلول آنية مستعجلة للمشاكل بالبحث عن صيغ تمويل بنظام “البوت” أو غيره، إضافة إلى إعادة الروح للمؤسسات الحكومية، على رأسها شركة الأقطان ومؤسسات الصمغ والسكر والتعدين والحبوب الزيتية، لأن بمقدورها معالجة مشكلة النقد الأجنبي حين تحتكر بيع وشراء المحاصيل وتصدرها ليذهب العائد للبنك المركزي.
الخرطوم- جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة