مرتضى الغالي يكتب في إحياء ذكرى الفارس النبيل..
التدافع من كل أطياف المجتمع السوداني نحو إحياء ذكرى الأمير الفقير لله تعالى غني المروءة والشهامة والوطنية (الحاج نقد الله) صورة من صور الاحتفاء بثورة ديسمبر ومخاضاتها الدامية العنيفة منذ أطلت علينا الإنقاذ بوجهها الكالح ومسيرتها المشؤومة التي بدأت باستهداف المعاني السامية والخصائص العليا المتمثلة في رموز وطنية (مدخورة للحوبة) ومنهم هذا الحارس الأمين لمشارع الحق نحيف الجسم راجح الموازين (قليل على ظهر المطية ظله)..!
سيرة من العفة والنقاء والرجاحة والسماحة والمودة ولين الجانب أوان التوادد والتراحم؛ وملحمة من البطولة والفروسية عندما يُقال (هذا أوان الجد فاشتدي زيم)..هذا الذي كان يحمل بغير ما تناقض سمة العابد الورع والمقاتل العنيد مرهوب الجانب عندما يتقافز الصغار وتعصف الزعازع بأطناب خيمة الوطن فيحدّث نفسه بالفداء وأخذ الحمد بالثمن الربيحٍ راكزاً مثل شوامخ الجبال العوالي قائلاً لنفسه: (مكانك تُحمدي أو تستريحي)..!
عرفه الناس بأنه ظل طوال حياته الفارس العتيد الذي يحتضن الوطن بفؤاد حديد ورؤية باصرة أشمل من كل انتماء..وضمير (لا يتحرجم) عن مواجهة العاصفة.. لا ناكصاً عن مواجهة ولا متحيزاً لفئة…غاب الأمير الفقير لله الأب وترك باب الدار مفتوحة لأبناء الوطن.. وجاء الأمير الفقير لمولاه الابن..وظلت الدار مشرعة بلا مصاريع تستقبل الجميع من كل حدب وصوب وكل حزب ونقابة.. لا يميّز في شأن الوطن بين يمين ويسار ولا يحب ويعادي إلا من أجل الوطن.. ووقف كالطود الشامخ في وجه الشموليات بضمير يعرف معنى الحرية والديمقراطية..وقد عرفت الانقاذ مبكراً العقبات التي تقف في وجه مشروعها الأثيم وخطتها الآثمة، وأيقنت أن هذا الرجل من أعتى العقبات التي ستقف في وجهها..!! فوجهت إليه أباليس أمنها واستقبلته بأبشع ما لديها من آليات التعذيب..هو وصحبه الوطنيون الثائرون وكان له نصيبه الذي أصاب الجسد ونتج عنه تتابع العلل.. ولكن لم يصل الى مراقي الفؤاد ومسالك الشكيمة والعزيمة.. فظل كالطود الشامخ يهزأ بكل ما يصيب الجسم ويلحق بالناسوت من أوضار وابتسامة الرضا تملأ وجهه الوضيء الذي يعكس أنوار القناعة والوفاء للوطن وأهله والقبول بمهر الحرية ومرامي النفوس العالية..!
لو لم يكن هذا هو ما عهده الناس منه لما التقوا هكذا في ذكراه تنويهاً بسيرته بينهم.. ولما كان هذا الاحتفاء والتلاقي الذي يستبطن في الغياب الجسدي لهذا الفارس النبيل ترسيم ملاحم الوفاء والفداء في أخلاد الاجيال وفي ذاكرة الوطن تحية له وللرجال والنساء الأحرار والحرائر الذين أوقدوا شموع النضال من أجل الحرية والكرامة الانسانية والقيم السامية والعدالة الاجتماعية واستحقاقات المواطنة.. ولا نامت اعين الفلول ربائب الخِنا الذين أرادوا النكاية بشرفاء الوطن وظنوا أن في مقدورهم إطفاء مشكاة البسالة بآليات التعذيب الباطشة في الأقبية المظلمة، ولم يدروا ان ارادة البشر من روح الله.. ولا ييأس من رَوْح الله إلا هؤلاء المطاليش العرابيد الحرامية عديمئ الخُلق والمروءة…!!
صحيفة السوداني