حيدر المكاشفي يكتب : ثنائية الذباب والبعوض
حل الخريف حلا أهلا به وسهلا الزرع فيه أخضر والخير فيه أكثر، هكذا كان يردد تلاميذ المدارس الابتدائية هذه الانشودة المدرسية في زمان ماض، وها قد جاءنا الخريف وهو اذا جاء لا يستأذن أحدا ولا ينتظر غائبا حتى يعود ولا غافلا حتى ينتبه، ولا يؤجل ميقاته، ولا يعنيه في شئ ان كانت الحكومة والناس مستعدين لمقدمه أم لا، فالأمطار ستوالي نزولها غير عابئة ولا مكترثة ببلدية ولا محلية ولا ولاية ولا حكومة ولا إمبراطورية حتى، والسيول والفيضانات كذلك تتمدد فى مساحاتها ومجاريها ولا يهمها من يسكن فى حيازاتها الطبيعية ويستولي على حدودها السيادية، انما الناس والحكومات هم المعنيون بالخريف وهم من يتحملون مغبة اخطائهم، والعتب بالطبع ليس على الامطار ولا السيول ولا الفيضانات، بل كل العتب واللوم على الحكومة لعدم اعداد عدتها لاستقبال الخريف بما يجعل منه نعمة، والعتب واللوم أيضا على من يعتدون على اراضي الفيضان ومجاري السيول ويسكنون فيها وعلى الحكومة أيضا لسماحها بذلك، وتتسبب هذه اللا مبالاة في تحويل نعمة الخريف الى نقمة، والدليل ما حدث فى الفاو وعد الفرسان وربما مناطق أخرى فى الطريق، فالامطار مازالت تهطل والسيول والفيضانات الكاسحة ماتزال محتملة الحدوث..
أما العاصمة الخرطوم وما أدراك ما الخرطوم مع الخريف، فمشكلتها عويصة حيث أن مطرة واحدة تكفلت بطمبجتها وملء طرقات محلياتها السبع بالمياه والطين والخبوب والوحل وانتشار البرك الآسنة بين الأحياء، وتوفرت بذلك البيئة الحاضنة والمفرخة للذباب والبعوض والهاموش والناموس وغيرها من الحشرات الطائرة والزاحفة، وازداد الأمر سوءا على سوئه بتحالف كورونا اللعينة مع جيوش البعوض والذباب وما يسببانه من أمراض، هذه الثنائية المزعجة التي تتناوب النشاط لاقلاق راحة الخلق، فمنذ الصباح الباكر والى مغيب الشمس تسيطر جيوش الذباب على العاصمة وتتولى مهمة الازعاج واقلاق الراحة، وازعج ما يسببه الذباب هو تلك الثقالة والرذالة المعروف بها، فمهما هششته وطردته فلن يرعوي بل يعود بالحاح لاضجارك، ولهذا قيل أنه ما سمي ذبابا الا لأنه كلما ذبه الإنسان عنه وأبعده فإنه يعود إليه (فالذباب اذا ذب آب)، ويقال أن من أشهر الحملات التي شنت للقضاء على الذباب تلك التي نظمها الأمريكيون قبل الحرب العالمية الأولى، حيث كانوا يخصصون خمس دقائق في اليوم لقتل الذباب واصطياده، وكانت تدق الأجراس وتدوي صفارات الإنذار كل يوم في الساعة الواحدة إلا خمس دقائق، فيخرج الجميع لأداء هذا الواجب طيلة خمس دقائق يعودون بعدها إلى أعمالهم، وكانت تعرف هذه العملية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، باليوم الوطني للذباب..
أما البعوض أجاركم الله فهو يستلم الوردية الليلية من الذباب وتتفنن أنثاه المتخصصة في ايذاء الناس بامتصاص دمائهم، ومضايقتهم بلذعاتها المتكررة وطنينها المزعج، وعادة ما تبدأ غاراتها تحت جنح الظلام وفي أجواء الكتمة، وما يستتبع ذلك من انتشار للأمراض المرتبطة بسوء الأحوال البيئية وتلك المرتبطة بالمياه، مثل الملاريات وغيرها من الحميات والإسهالات المائية والنزلات والالتهابات المعوية الخ، ومع امكاناتنا الصحية الموجهة تماما لحرب كورونا على ضعفها وهشاشتها، سيزداد الحال ولا شك سؤا على سوئه..وللأسف رغم هذا الوضع المزعج الممرض لم نشهد أي تحرك للولاية حتى الان لمكافحة الذباب والبعوض ما ينذر بخطر كبير..
حيدر المتشفي
صحيفة الجريدة