أحمد يوسف التاي يكتب: ”خجلان جداً لأنهم سودانيين”
(1)
تملكني حزنٌ عميق وأنا أطالع إفادات محافظ مشروع الجزيرة الدكتور عمر مرزوق في حواره مع زميلتنا النشطة إيمان الحسين… حزنتُ جداً للطريقة البشعة التي تم بها تدمير مشروع الجزيرة وسرقة أصوله ابتداءً من سرقة وبيع 1400 كيلومتر من السكة الحديد و400 جرار وآليات زراعية وعدد 15 سيارة و13 محلجاً، وورشتين، بالإضافة إلى تدمير الكباري وقنوات الري و213 مبنى تابعاً للمشروع وسرقة أبوابها ونوافذها وحتى الطوب الذي شُيدت به..
(2)
حزنتُ جداً لأن من سرق السكة الحديد بكل تفاصيلها من قضيب وفلنكات هم سودانيون لا ينقصهم “طول“ اللسان، ولا التظاهر بحب بلادهم ولا تنقصهم مزاعم الإنتماء الصارخ للوطن حزنتُ لكل هذا الخزي والعار، ولكني حزنتُ أكثر لما تذكرتُ أن هذه السكة الحديد التي سرقها السودانيون وباعوها قطعة قطعة بناها “المستعمر“ الإنجليزي… والمفارقة المؤلمة أن المستعمر كان يبني وطننا قبل مائة عام ونأتي نحنُ السودانيون اليوم نهدم وطننا بهذه الطريقة الفضيحة الخسيسة الموجعة…
(3)
وحزنتُ جداً لأن من كانوا مسؤولين عن حماية ورعاية وحراسة ومراقبة أصول المشروع هم أيضاً سودانيون فلم يقوموا بواجبهم ولم يؤدوا أماناتهم ومسؤولياتهم في الحماية والحراسة والمراقبة ولا حتى محاسبة اللصوص، فهل نعتبرهم إلا شركاء أيضاً في الجرم والنذالة والخسة…
(4)
وحزنتُ جداً لأن من دمر 213 سرايا (سكن الموظفين) وسرق أبوابها ونوافذها وطوبها (كمان)، هم أيضاً سودانيون، ممن يُسرفون ويغالون في التظاهر بحب الوطن والافتخار به شعراً ونثراً وغناءً ورباعيات ودوبيت، وكأن حب الأوطان لم يجرِ إلا في عروق السودانيين وحدهم… ولكني حزنتُ أكثر عندما تذكرتُ أن هذه السرايا بناها “المستعمر الإنجليزي“ قبل مائة عام ويأتي السودانيون الآن لتدميرها وتحطيمها بغرض سرقة أبوابها ونوافذها وطوبها، فأي قدْر هذا وأي “قزامة“ وأي مستوى هذا في حب الأوطان.. ودعوني لا أثقل عليكم بالتعليق على تلك الأرض التي انشقت فجأة كدي وابتلعت 400 جرار بمحاريثها وملحقاتها، ولن أثقل عليكم بالتعليق على الكباري التي تم تدميرها بغرض سرقة السيخ والحديد والخرصانة، ولا قنوات الري ونظامه الذي فسد تماماً… لا حول ولا قوة إلا بالله.
(5)
وأخيراً حزنتُ لطريقة تصريحات المحافظ الذي لم يجد أمامه إلا “الفلول“ ليتهمهم بسرقة الأبواب والطوب والسكة الحديد (احترموا عقولنا يا جماعة)… يمكنني أن استوعب أن خصومكم الفلول يمكن أن يكونوا متهمين بتدمير أنظمة الري أو أي نوع من الفساد المالي والإداري الكبير بل بتدمير كل اقتصاد البلاد، لكنهم لن “ينزلوا“ إلى مستوى سرقة الأبواب والشبابيك (ما برضو عدوك لو بتكرهو خاف الله فيهو) ليس من المعقول ولا الموضوعية أن يستسهل المسؤولون الاتهامات و(يقزمونها) بهذه الصورة المبتزلة… أنتم تتحدثون عن عناصر سرقوا كل البلد ونهبوا أموالها وثرواتها (أكثر من 64 مليار دولار) ثم نأتي لنتهمهم بسرقة الشبابيك والطوب الساقط؟…!!!! ثورة الوعي لا تحتمل تغبيش الوعي وإلغاء العقول وعدم احترامها… ثم ما الذي يجعلكم محتارين لا تعرفون أين اختفت 400 جرار، فما أسهل والوصول والتعرف على المسؤولين من هذا الفعل القبيح وبأبسط طريقة فمن هم آخر المسؤولين المباشرين عنها؟ ومن هم سائقوها؟ ومن هم ذوو الصلة بها… فما أسهل الوصول إلى ذلك، لكنكم تستسهلون “شماعة“ الفلول التي ملها الشعب من كثرة تكرارها…اقبضوا على هذا “البعبع“ الشبح وقدموه للمحاكمة كي نصدقكم ونطمئن ونعلم أنكم ما ظلمتم أحداً ولم تؤذوا ولم نأخذوا أحداً بجريرة غيره ذلك أقسط عند الله….
..اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة