الطاهر ساتي يكتب: موسم المناحات!!
:: كثيرة هي المدن والأرياف المتأثرة، ولكن يبدو أن قرى محلية الفاو هي الأكثر تأثراً بسيول وأمطار هذا الخريف..فالخسائر هناك انهيار (1.300 منزل) مع تشريد أسرها، و( 15 مدرسة)، وبعض المرافق العامة.. وليس في الأمر عجب، الخريف من مواسم الخير، ولكنه في بلادنا مُوسم لشق الجيوب ولطم الخدود.. وللأسف، لا تزال الدولة – شعباً ونظاماً وإعلاماً – تظن بأنّ مُعاناة الخريف محض حدث عابر، وهي لم تعد كذلك.. فالسُّيول والأمطار التي تُسبّب المتاعب في بعض مناطق السودان لم تعد محض حدثٍ عابرٍ.. !!
:: فالشّاهد، منذ سنوات، بشهادة هيئة الأرصاد، يشهد مناخ السودان (تغيُّراً إيجابياً)، ولكن، كالعهد بها دائماً، فإنّ الدولة آخر من تعلم.. علينا، بتخطيط حكومي، تكييف حياتنا بحيث تُواكب المُتغَيِّرات المناخية ..فالطبيعة لا تُقاوم، ولكن يُمكن ترويضها بحيث لا تُسبِّب المخاطر للناس، وهذا الترويض هو المُواكبة المفقودة.. وعلى سبيل المثال، تأمّل ما يحدث من فَقدٍ للأرواح ودَمارٍ للقُرى بسُيُول وفيضان تجاوز المُعدّل كل عام، منذ ست سنوات تقريباً.. و(تشاهد غداً) الكثير من المآسي المألوفة..!!
:: وكل هذا التأثير الناتج عن زيادة مُعدّل الأمطار والسيول لَم يَحدث في الخمسين سنة التي سبقت ست السنوات الماضية، حسب رصد هيئة الأرصاد في العام قبل الماضي.. وصار طبيعياً أن يتجاوز الفاصل المداري – منذ أكثر من ست سنوات، حسب رصد هيئة الأرصاد – وادي حلفا.. أي كل الإقليم الشمالي لم يعد يختلف كثيراً – من حيث التأثير بالأمطار والسيول – عن أقاليم السُّودان الأخرى، وهذا هو المعني بـ(التغيُّر الإيجابي).. فالمياه – أينما وُجِدَت وكيفما هطلت أو سرت – فهي نعمة.. !!
:: ولكن الإنسان هُو مَن يُحوِّلها إلى (نقمةٍ)، وذلك بعجزه – أو فشله – في ترويضها بحيث يتم استغلالها في الزرع والضرع .. هيئة الأرصاد غَير مَعنية بالبحث عن أسباب التغيُّر المناخي الذي تشهدها البلاد، بحيث تكاد تتساوى كل ولايات السودان في (مُعدّل الأمطار) و(حجم السيول).. هيئة الأرصاد مُهمّتها الرصد والتحليل فقط.. أما الدراسات والبحوث فهي مهام (دولة بي حالها)، وذلك بالصرف على مراكز الأبحاث والدراسات.. والتغيُّرات المناخية من القضايا الإستراتيجية التي تضعها الدول في قائمة الأولويات، وذلك لصلتها المُباشرة باقتصاد الدول وصحة وحياة الشعوب.
:: وما لم تُواكب المُجتمعات – تخطيطاً وتنفيذاً – هذه التغيُّرات المناخية التي تشهدها البلاد، فالمُستقبل – كما الحاضر في قُرى شرق النيل ونهر النيل – محفوفٌ بالمَخَاطر الكُبرى في مُعظم ولايات السودان.. ولأنّ الوقاية خيرٌ من العلاج، فإنّ المُجتمعات المُتأثِّرة بالخريف بحاجة إلى تغيير في نمط حياتها لتُواكب هذا (التغيُّر المناخي).. كيف؟.. هنا يأتي دور التخطيط الإستراتيجي للدولة.. وللأسف، هذا الدور لا يزال يختزل التخطيط الإستراتيجي في انتظار الكوارث لاستجداء الإغاثة والتباكي والمناحات التي من شاكلة: شدي حيلك يا القطاطي ويا بيوت الطين أقيفي!!
صحيفة اليوم التالي
المهم الآن هو لأي حزب ولأي قبيلة يجب ان ينتمي والي الولاية الفلانية .. وليس المهم العمل على الحد من أخطار السيول والفيضانات فيه .