مقالات متنوعة

صلاح شعيب يكتب مبادرة حمدوك: هل هي آخر حبل نجاة للمكونات الثورية؟

مبادرة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك تأخرت عن مواعيدها كثيراً. وكان ينبغي أن تسبق تشكيل الحكومة التي أتت بجناح من قوى الحرية والتغيير، وتجاهلت رأي جناح آخر. وقلنا وقتها إنه كان ينبغي لحمدوك أن يجمع التيارين للإصلاح بدلاً عن الانحياز لطرف، والقبول بتصوره، ومنح الظهر للطرف الآخر. ولأن هذا النهج الانفرادي أوصله إلى طريق مسدود طرح مبادرته المتأخرة جداً. ومع ذلك نحمد لحمدوك الاعتراف الآن وحده بقوله إننا نعايش أزمة سياسية. فكثيراً ما نقول: إن تاتي متاخرا أفضل من أن لا تأتي مطلقاً. ولكن مع ذلك جاءت المبادرة عمومية، وننتظر تفاصيلها لنرى حول ما إذا كانت تشمل باللفة ناس غازي صلاح الدين، والمؤتمر الشعبي، ونهار، ومسار، وبرطم والكاردينال حتى. وإذا شملت هؤلاء، واستثنت المؤتمر الوطني فقط، فمعنى ذلك أننا عدنا لاستعارة حوار الوثبة الذي نادى به الترابي قبل الثورة، وكذلك طرح رموز سياسية نادوا بتسوية مع الإسلاميين بعد الثورة. والقاسم المشترك بين هذين الطرحين هو غياب المؤتمر الوطني.

حسنا دعنا لا نستبق الأمور حتى نرى من شملته لقاءات حمدوك من الإسلاميين خلاف المؤتمر الوطني لتستبين لنا الفكرة.
سوى أنه واضح من خلال حديث منسوب إلى الأستاذ فيصل محمد صالح أن المبادرة بحاجة للإضافة. إذ قال المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء إن “آلية تنفيذ المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء متروكة للتشاور مضيفاً أنها ربما تكون ممثلة لكل المؤسسات التي لديها علاقة بالانتقال والكيانات السياسية والاجتماعية المختلفة و تابع ”لكن ماف تصور مكتمل”.

إذن في ظل عدم وجود هذا التصور، ويعني أيضاً غياب المعلومة المتكاملة المملكة للجماهير فما أمامنا إلا أن نرى أوضاع المبادرة على الأرض، ومن ثم نعرف هذه “الكيانات السياسية والاجتماعية” التي يريدها حمدوك جزءً من تشكيل الحاضر والمستقبل السودانيين.

فلنمسك السيد رئيس الوزراء من لسانه ونعطيه “كريدت” نتيجة لما قال: “إن أسس التسوية السياسية الشاملة هو توحيد الكتلة الانتقالية وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال..” ففي هذه الحالة نفهم أن المبادرة الشاملة مقصورة أمام “الكتلة الانتقالية”.. ألست على حق بأنني فهمت المبادرة جيداً؟ وهذا أيضاً يعني أن لا مبارك الفاضل، ولا التيجاني السيسي، مشمولان بهذه اللقاءات التي يجترحها حمدوك. وهنا لا بد أن تكون هناك شفافية بتعريفنا بهذه اللقاءات لا أن تكون خلف الستار المزركش بالنقش الإيراني. وإذا شملت اللقاءات مثلا هذين الشخصين فلا معنى أن يحرم اللقاء الزبير آدم رحمة والمحامي أبو بكر عبد الرازق الذي هدد بأنهم “لن يتركوا لا جيش يعمل، ولا مجلس وزراء يعمل، ولا إذاعة وتلفزيون يعملان”. والتفسير لهذا التهديد أن الشعبي ضد الانتقال جملةً، وتفصيلاً. ذلك لأن كل هؤلاء الأشخاص كانوا مع البشير حين سقوطه. ولو أنك تستثني المؤتمر الوطني الساقط فليس من العدالة أن تستثني حزب المؤتمر الشعبي الذي كان مع البشير حتى آخر يوم، والدليل أن السنوسي مستشاره حينذاك إلى الرمق الأخير. على أن في تعريف الثوار أن الشعبي جزء من المنظومة، ولذلك خرج بذلك الهتاف: كل……! فهل يلتزم حمدوك بشعار الثورة، وهنا مربط العجل؟.

سندعم مبادرة حمدوك بشرط إبعادها الساقطين مع البشير حتى “يكتمل تصورها” كما طالب زميلنا فيصل، وما فتئت الحاجة الآن ضرورية لجلوس كل أطراف الثورة للتوافق تحت مفهوم جديد يعزز تماسك “الكتلة الانتقالية”، وهذا ما ظللنا ننادي به في مقالاتنا السابقة. ببساطة لأنه لن يوجد طرف واحد من مكونات الثورة يستطيع أن ينفرد بالسلطة. ولعل بروز مبادرة حمدوك دلالة موازية لدلالة أن إسقاط السلطة من طرف واحد لن يحل الأزمة نهائيا، بل لن يحقق مصلحة البلاد.

الآن أتيحت فرصة بهذه المبادرة لكل الأطراف السياسية المعنية بنجاح الانتقال، وتقويض موروث الثلاثين عاما لتعميق الحوار الوطني الحقيقي الذي كانت كل القوى السياسية تنادي بإكمال شروطه مع النظام السابق حتى تدخل بتصوراتها المنقذة. وما دام حمدوك نُصب برغبة كل مكونات الثورة فإنه وضع الكرة في ملعبها للدلو برؤيتها الموضوعية، وغير الموضوعية لإنقاذ تفويضه، وإنقاذ البلد. والمهم هو أن يأتي كل طرف بتصوراته المتكاملة لمعالجة الأزمة السياسية.

فليكن الحوار سبيلا للوصول إلى خطة جيدة لحل الأزمة الاقتصادية التي فشلت الحكومة في حلها، والاحتقان السياسي الذي كاد يخلق التلاشي الثوري، وتقويض التمكين الذي يحتاج إلى عزم صلب، وهمة ثورية، والحراك الدبلوماسي الذي يرسل إشارات مربكة، إلى آخر الإخفاقات التي تسبب فيها جميع شركاء الانتقال بأقدار متفاوتة.

صلاح شعيب
صحيفة السوداني