التاج بشير الجعفري يكتب: ليس هذا ما إنتظره الناس يا وزير المالية!!
استمعت قبل أيام للمؤتمر الصحفي لوزير المالية ووزير الطاقة حول السياسات الاقتصادية والإجراءات الأخيرة لرفع الدعم عن الوقود وما سيق من مبررات ووعود وامنيات سئم منها الناس في ظل استمرار حالة التدهور الاقتصادي المتسارع والغلاء الطاحن الذي حول حياة الناس إلى جحيم.
حقيقة اجاب الوزيران على الكثير من القضايا الهامة ولكن للأسف جاءت كل الإجابات في صورة الاعتراف بالتقصير من الحكومة في بعض الجوانب والتطمين وإطلاق الأمنيات في جوانب أخرى.
أول ما لفت انتباهي في ذلك المؤتمر هو محاولة وزير المالية الترويج لقرض ال 2.5 مليار دولار من البنك الدولي وتصويره كأحد الحلول التي ستساعد في تخفيف معاناة الناس!! وسبب دهشتي أن الوزير يعلم قبل غيره أن مثل هذه القروض والمنح من البنك الدولي (تحديدا) لا تكون متاحة للحكومات لتتصرف فيها كما تشاء (على كيفها) وإنما يتم تمويل المشاريع المتفق عليها مع الدولة حسب الدراسات الموضوعة ووفقا لمراحل التنفيذ وبإشراف مباشر من موظفي البنك، لذلك لا يجب أن نتوقع أي تأثير فوري أو مباشر لهذا القرض على الوضع الحالي المتازم؛ طبعا مع عدم اغفال الأثر الإيجابي لهذه القروض والمنح على التنمية في الأجلين المتوسط والطويل.
عليه وبحسب واقع الحال المتردي والذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، توقعت كما توقع غيري ان يحدثنا وزير المالية بالأرقام عن أداء الموازنة وما تم صرفه على التنمية حتى الآن، وكم بلغت نسبة الخفض في الصرف الحكومي الذي وعدت الموازنة بانقاصه بنسبة 24%، كنا ننتظر من الوزير ان يبشرنا بنسبة الإنجاز في مشروع توسيع المظلة الضريبية كما جاء في القوانين التي صاحبت الموازنة؛ توقعنا ان يعلن الوزير أن وزارته تعمل بشكل جاد مع البنك المركزي لاسترداد عائدات حصيلة الصادر المنهوبة بواسطة الشركات التي لم تلتزم بدفعها وأنهم (وزارة المالية والبنك المركزي) يعملون على تفعيل نظام تقني محكم يربط كل الجهات المتداخلة في موضوع حصيلة الصادر حتى تسهل عملية المتابعة وملاحقة الشركات غير الملتزمة؛ أيضا انتظرنا ان يؤكد الوزير ان موضوع تطوير وتحديث السياسات والأنظمة التقنية للبنوك في مرحلة التنفيذ وشارف على الانتهاء؛ توقعنا أن يحدثنا الوزير عن الإجراءات الفعلية لتطوير وإنجاح تجربة جذب مدخرات المغتربين للبنوك المحلية بالإضافة لتقييم وتعزيز تجربة توحيد سعر الصرف؛ انتظرنا كذلك أن يحدثنا الوزير بالأرقام عن أداء الموازنة لجهة الوفاء (بربط) الإيرادات وأيضا الإلتزام الصارم ببنود الصرف المجازة؛ أيضا توقعنا أن يزف إلينا الوزير البشرى بمواصلة الوزارة عملها الجاد لأجل إكمال ولايتها التامة على المال العام؛ انتظرنا كذلك ان يشير علينا وزير المالية بأنه اطلق مبادرة لتدريب ورفع كفاءة العاملين في وزارته والوزارات الأخرى حتى يكونوا قادرين على التعامل مع متطلبات المرحلة القادمة واكتساب المهارات اللازمة لإنجاز الأعمال بشكل فعال والقدرة على التعامل مع الجهات الخارجية.
للأسف لم يقترن حديث وزير المالية عن هذه المواضيع بأي تفاصيل، بل على العكس جاء حديثه خالي من الأرقام من خلال مداخلته واجاباته على الأسئلة وانحصر التركيز في جزئية رفع الدعم (رغم أهميته) وضرورة ان يصبر الناس على هذا الوضع المعيشي الصعب!!
أيضا اتضح جليا من حديث وزير المالية ان هنالك الكثير من جوانب القصور في الأداء الحكومي إضافة للبطء في إنجاز المهام، ولذلك اقول ان المساعدات الخارجية وسياسة رفع الدعم التي تتبناهما الحكومة للإصلاح الاقتصادي لن يجديا نفعا دون الالتفات إلى ضرورة استنهاض الموارد الذاتية واستغلالها بشكل فعال
وتحسين الأداء الحكومي، مع ضرورة تكامل الدعم الخارجي مع العمل الجاد لرفع كفاءة التشغيل والاستفادة من الموارد الذاتية علاوة على إيقاف ومحاربة الفساد والتهريب، فاين نحن من كل ذلك؟
اخيرا اقول ان أضلاع المثلث الذي يمثل حل مشكلتنا الاقتصادية هي السلطة السياسية التي توفر الإرادة السياسية التي تدفع الجهاز التنفيذي لتطبيق الإصلاحات المطلوبة، ثم يأتي دور الحكومة (الجهاز التنفيذي) وهو الأساس في أحداث التغيير المطلوب من خلال تطوير وتطبيق السياسات وتبني المبادرات الجادة وتنفيذها، واخيرا يكون الدعم الشعبي لتأييد برنامج الإصلاح الاقتصادي ودعمه والصبر على تداعياته السالبة أملا في اقتصاد معافي.
للأسف ما يتجسد في الواقع الآن، هو أن العبء الأكبر يقع على الناس وتحملهم للضغوطات الحياتية الناتجة عن السياسات الاقتصادية التي تم تطبيقها، بينما فشلت السلطة السياسية والحكومة كجهة تنفيذية في القيام بمهامهما على الوجه الأمثل؛ لذلك ليس غريبا أن تظل الإصلاحات مبتورة وأثرها محدود بينما تتزايد صعوبة الوضع المعيشي نتيجة لهذا الفشل.
المطلوب من الحكومة والسلطة السياسية العليا في البلاد البلاد مراجعة موقفهما لتحسين الأداء قبل فوات الأوان وإلا ستكون العواقب كارثية لأن السياسات المطبقة ورغم قسوتها لن تؤدي للإصلاح المأمول.
صحيفة الانتباهة