عليها .. تسعة عشر !
تلقى الكثيرون بدهشة بالغة حديثا منسوبا للناطق باسم الوساطة الجنوب سودانية في مفاوضات جوبا .. بين حكومة السودان و الحركة الشعبية .. أن هناك تسع عشرة نقطة ما تزال محل خلاف بين الجانبين .. مما رفع حواجب الدهشة بالتساؤل .. كم هي أصلا النقاط المتفاوض حولها ..؟ وعلى ماذ ا اتفقوا إن كان الخلاف لايزال ناشبا حول تسع عشرة نقطة ..؟ سيما إذا قرأوا ذلك مع التصريحات التى تعقب كل جلسة .. حيث يخرج خالد عمر عن الحكومة و عمار أموم عن الحركة .. ليؤكدا كلا على حدة .. أن الأمور عال العال .. وأن المفاوضات تمضي قدما .. ويتفوق خالد على عمار دائما بعبارته الأثيرة ( لدينا من الإرادة ما يمكننا من تجاوز كل العقبات والوصول الى سلام حقيقي ) .. وربما يرى البعض أن هذه العبارة كانت لتكون اكثر قبولا من عمار اكثر من خالد .. فالأول يمثل إرادة واحدة اسمها الحركة الشعبية .. بينما يمثل الثاني جملة إرادات .. تبدو متقاطعة أحيانا ..!وليس هذا موضوعنا على كل حال .. كلما نريد قوله إن التصريحات التي تصدر عن منبر التفاوض تثير أسئلة اكثر مما تقدم إجابات .. مثل حكاية التسع عشرة نقطة خلافية هذه ..!
منذ وقت مبكر كنت أقول إن المفاوضات بين الحكومة والحركة لن تكون مجرد نزهة .. أو حتى مفاوضات سهلة يحاول فيها كل طرف تسجيل اكبر عدد من النقاط .. ومنذ وقت مبكر ايضا .. كان جليا أن ثمة مطلبين غاية التعقيد .. حتى بديا أنهما مطلبان يتقابلان .. أو يصلحان للمساومة التفاوضية .. الأول هو موضوع علمانية الدولة .. والثاني هو حكاية الجيش القومي ..أو إعادة هيكلة القوات المسلحة تحديدا .. وهذا مطلب قديم طرحته الحركة الشعبية لتحرير السودان الأم في مفاوضات نيفاشا .. و أذكر جيدا أنني يومها كنت في نيروبي حين اتصلت بي قناة الجزيرة .. وكان بالإستديو مذيعها جمال ريان .. الذى وصفني بالجهل حين قلت له إن البديل لرفض الحكومة إعادة هيكلة القوات المسلحة أن تحتفظ الحركة الشعبية بجيشها .. كانت حجته أنه لا يمكن أن يكون هنالك جيشان في دولة واحدة ..و أن ذلك جنون كما قال .. ! ولست في حاجة الآن لتذكير الناس بما حدث ..!
حسنا .. الآن بادرت الحكومة ووافقت على مطلب الحركة بفصل الدين عن الدولة .. فهل تتنازل الحركة عن مطلبها .. أو بالأحرى شرطها .. القاضي بعدم الحديث عن أية ترتيبات أمنية .. قبل إعادة هيكلة القوات المسلحة .. ودمج كل الجيوش في جيش واحد ..؟ أم يستمر ذات الجنون ليفضي الى دولة جديدة ..؟!
كل هذا قصة واحدة .. فما لا ينتبه له الناس أن المفاوضات ما تزال في محطة الاتفاق الإطاري .. و تلك قصص أخرى .. ولا نريد أن نعيد هنا العبارة التي يحفظها كل السودانيين .. أن الشيطان في التفاصيل .. فالدولة التي وافقت في اعلى مستوياتها على فصل الدين عن الدولة .. وعدم سن قوانين على أساس ديني .. كيف تنظر الآن للقوانين السائدة حاليا ..؟ وقد تم تشريعها على أساس ديني؟ .. وهل تمتلك من الإرادة والقدرة والآليات ما يمكنها من إلغائها ..؟ مجرد سؤال ..!
صحيفة السوداني