بابكر فيصل يكتب “الإخوان المسلمون” والانقلاب العسكري في الخرطوم
تشهد العاصمة السودانية الخرطوم هذه الأيام محاكمة بعض رموز جماعة الإخوان المسلمين من المدنيين والعسكريين بتهمة تقويض النظام الدستوري، حيث نفذت الجماعة في 30 يونيو 1989 انقلابا عسكريا على الحكومة الشرعية المنتخبة، التي كان على رأسها رئيس الوزراء الصادق المهدي.
تُلقي السطور التالية بعض الأضواء الكاشفة على موقف جماعة الإخوان المسلمين من موضوع الانقلاب العسكري واستخدام القوة للوصول للسلطة، إذ أشاعت الجماعة لسنوات طويلة أن دافعها للقيام بالانقلاب لم يك هو إيمانها المبدئي بضرورة استخدام السلاح لاستلام الحكم، بل أجبرت عليه حتى تتفادى تحركات جهات أخرى معادية كانت تدبر للقضاء على الإخوان واستئصالهم من الوجود.
أوضح مؤسس الجماعة حسن البنا أنهم يخططون للوصول للسلطة بعد أن يعدوا عدتهم من جميع النواحي، وقال: “الإخوان المسلمون يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك”.
طرح البنا السؤال التالي: “متى تكون خطوتنا التنفيذية؟”. وأجاب بالقول: “في الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين 300 كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا وروحيا بالإيمان والعقيدة، وفكريا بالعلم والثقافة، وجسميا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لحج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء. وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة”.
الإجابة أعلاه تؤكد أن الخطوة التنفيذية تأتي بعد إعداد 300 كتيبة من “جيش الإخوان”, ومن المعلوم بداهة أن أعداد الكتائب ليس الغرض منه استخلاص الحكم عبر صناديق الاقتراع، بل عن طريق استخدام القوة والعنف بما في ذلك الانقلاب العسكري.
أما فيما يخص الحركة الإسلامية (فرع جماعة الإخوان المسلمين في السودان)، فقد أوضح مؤرخها والعضو القيادي فيها، حسن مكي، أنهم وضعوا خطة متكاملة للاستيلاء على السلطة بالقوة منذ سبعينيات القرن الماضي، وفور دخول الجماعة في المصالحة الوطنية مع نظام الرئيس الأسبق جعفر النميري.
قال مكي في كتابه “لمحات من مسيرة الحركة الإسلامية” إن الحركة “اتخذت لنفسها خطا وجدول أعمال حسب ما عرف داخليا أي داخل أجهزة الحركة باستراتيجية التمكين. والتي قامت على تنمية القدرات الذاتية وتنمية أجهزة الشوكة في الحركة بحيث تستطيع وحدها حينما تجيء اللحظة التاريخية المناسبة الاستيلاء على السلطة السياسية بقدرتها الذاتية”.
العمود الفقري لاستراتيجية التمكين التي أشار إليها مكي هو “تنمية أجهزة الشوكة” أي السلاح والقوة وليس العمل الجماهيري الدؤوب الهادف لخلق شعبية يمكن الاستناد إليها لكسب الانتخابات في العملية الديمقراطية، وبالتالي يمكننا القول باطمئنان إن هدف الجماعة الأساسي كان الوصول للحكم بالقوة، وليس عن طريق صندوق الاقتراع.
لتحقيق ذلك الهدف، وكما يقول مكي: “طورت الحركة قدرات المجاهدة القتالية وتدبير القوة وبنت على رصيدها من المجاهدين الذين تدربوا في ليبيا ما قبل المصالحة الوطنية وبشتات خلايا الإسلاميين في الجيوش والأجهزة العسكرية، حيث أصبح للجنود وضباط الصف وحداتهم وكذلك للضباط، وكان تنظيما مستحكما ليس فقط لا يعرفه عامة وصفوة الإخوان، بل أن جماعات هذه الخلايا العسكرية لا يعرف بعضهم بعضا الا اجتهادا”.
نحن هنا بإزاء تنظيم عسكري محكم ودقيق قامت بتطويره الجماعة في إطار تنفيذ إستراتيجيتها للاستيلاء على السلطة، وبالتالي فإن أي حديث عن أن القيام بالانقلاب العسكري في 30 يونيو 1989 كان بسبب تضييق الخناق على الجماعة ومحاولة إقصائها من العملية السياسية، يعتبر مجرد ادعاء لا تسنده الوقائع.
من المعلوم أن الجماعة كانت حينها جزءا من النظام الديمقراطي، وقد مثلتها كتلة معتبرة من النواب داخل البرلمان ومع ذلك كانت تتآمر في الخفاء لإجهاض النظام والانقضاض عليه، وهو الأمر الذي أوضحه مكي بالقول: “ظل ممثلو الإخوان يؤدون قسم الولاء للأجهزة الموجودة في الدولة، ولكن يبدو أن من واردات الفقه غير المعلن أو ربما الاعتبارات العملية الذرائعية جعلهم لا يعطون هذه العهود أولوية، إذ استقر في وعي الكثيرين منا أن العهد الأول هو مع التنظيم الذي هو جماعة المسلمين وبذلك فان سلطان الولاء للتنظيم يجب كل سلطان آخر”.
ازدواجية الولاء “للنظام/الدولة” أو الجماعة تظل تمثل أحد وجوه المأزق الفكري العميق للإخوان، وهو يمثل حجر الزاوية في التضارب الذي يتسم به خطاب الجماعة فيما يخص نظرتها للعديد من القضايا والمفاهيم وعلى رأسها قضية الديمقراطية ومفهوم الوطن. هذا المأزق لا يتجلى على صعيد الخطاب فحسب، بل ينعكس في واقع الممارسة عندما تسيطر الجماعة على الحكم، حيث تعمل على احتكار وتوجيه موارد الدولة لخدمة أهداف التنظيم كما لا تتورع عن التفريط في أجزاء من أراضي الوطن خدمة مصالح الجماعة.
من أجل تحقيق أهداف استراتيجية التمكين، عقد مجلس الشورى اجتماعا وقام بتفويض الأمين العام للجماعة، حسن الترابي، لاتخاذ التدابير اللازمة للقيام بالانقلاب العسكري، ومن جانبه أصدر الأخير التوجيهات لتنظيم الضباط داخل الجيش لتنفيذ خطة الاستيلاء على السلطة.
لم يقتصر أمر تنفيذ الانقلاب على الضباط المحترفين داخل الجيش السوداني، بل قامت الجماعة بتجهيز عدد من أعضائها (حوالى 300 شخص) لإسناد الانقلاب العسكري، وهو الأمر الذي أوضحه مكي بالقول: “أما على المستوى الشعبي فقد ظاهرت تكوينات الإسلاميين شبه العسكرية الانقلاب وقامت بمهام تتعلق بالتأمين والاستطلاع في كفاءة وخفض مظهر بحيث لم تبرز في واجهة الأحداث الا أذرع العسكريين المحترفين”.
يتضح من خلال هذا السرد أن حديث قيادة الجماعة المتكرر حول قيامهم بالانقلاب العسكري إضرارا وبسبب نوايا الآخرين لاستئصال شأفتهم من الوجود ليس سوى ادعاءات فارغة المضمون ولا تسندها الحقائق التي توضح بجلاء أن الجماعة قد وضعت استراتيجيتها للاستيلاء على السلطة بالقوة منذ سنوات طويلة، وظلت تسعى لتحقيق هدفها بشتى السبل، ومن بينها مشاركتها المضللة في النظام الديمقراطي بينما كانت في واقع الأمر تعمل على إجهاضه من الداخل.
بابكر فيصل
صحيفة السوداني
انتم من غش الشارع و اتيتم بهذه الحكومة التي لا تهش و لا تنش للاسف ياريت يرجعو الكيزان عشان يعملوا فيكم بنظرية نميري للشيوعيين
اولا صاحب المقال. مثقفاتي. يعني يريد ان يكب فقط
اولا الكيزان ليست اخوان مسلمين هم تنظيم منفصل قادم به الترابي ويختلف مهم في اشياء جوهرية
الدليل كان وجود المرحوم شيخ الصادق حاج ماجد وكان ينتقد الترابي في العلن
اذا كانت فيد محاكمة الكيزان كان الاموال التي اختلست يجب ان ترجع ويحاسبو عليها
اما موضوع انقلاب ده – ليست شي دو فائده. دول العالم الثالث كلها انقلابات
في موضوع دارفور والمحكمة الجنائية الدوليه مفروض يحققو مع حميتي واخوه والبرهان كلهم كانوا في حرب دارفور