مناوي وهلال اتفقا على معالجتها .. رواسب الحرب في دارفور .. متى تلتئم الجراح؟
وفقاً للعلوم الإنسانية، فإن جروح الجسد مهما ازدادت درجات عمقها فإنها مع مرور الوقت وبسبب تلك الصفائح الدموية والشعيرات التي تتجمع معاً وتتصل، يتعافى الجرح ويجد صاحبه العافية الأبدية، لكن ماذا بشأن جروح الحياة فقدان أعزاء، النزوح ترك الديار؛ تدمير منزلك، والأهل والأحباب، الأملاك والمتاع، هي الحرب مؤلمة أحداثها بكل ما تحمله الكلمات من معان.. جراح تدمي وتنزف بلا توقف، تكبر مع الأيام تزداد عمقاً، واتساعاً، جراح لا تجد لها صفائح ولا قوة لإغلاقها.. فقط تنزف كلما مر بك شريط الزكريات .. يظل كابوسا مخيفاً يؤقظك من نومك كل ليلة مئات المرات، لن تجد له مسكناً لآلامه أو دواء.
لكن مثلما كانت الحرب قدراً، كذالك السلام مشيئة الله في الأرض يأتي بها ليزرع بها الطمائنية في النفوس المتعبة، ولينشر به المحبة بين المتخاصمين والمتقاطعين بفعل الحرب وتزال الضغائن.. السلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية مع الجبهة الثورية وحركات الكفاح في أكتوبر من العام 2019، البشريات بنهاية ثمانية عشر عاماَ من الحرب، لكن مراقبين يتساءلون متى يستطيع قادة وصناع السلام أن يجعلوه كائناً بمشي وسط أهل دارفور، وهل ستبرأ الجروح وتلتئم في نفوسهم ومتى؟
سيمضي وقت طويل ..
مؤخراً اتّفق حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ورئيس مجلس الصحوة الثوري موسى هلال على ضرورة وحدة أهل الإقليم والعمل على ترسيخ ثقافة قبول الآخر ونبذ خطاب الكراهية ومعالجة رواسب الحرب والعمل على معالجة القضايا الأمنية العالقة بولايتي جنوب وغرب دارفور.
وسجل هلال، زيارة إلى مناوي بمنزله، هنأه خلالها بتعيينه حاكماً على إقليم دارفور، وتطرّق الطرفان إلى مجمل القضايا والتحديات التي تواجه السودان ودارفور بشكل خاص، فيما يتساءل متابعون عن أهمية هذا الاتفاق وهل يستطيع القائدان نبذ خطاب الكراهية ومعالجة رواسب الحرب، رغم أن هنالك استفهامات حولهما من ناحية رفض قطاعات شعبية لشخص مناوي ليكون حاكما للأقليم، خاصة وأن مناوي مازال بعيداً عن دارفور وأجرى مؤخراً زيارة لولاية الوسط، أيضاً جدل واستفهام حول موسى هلال كونه واجه في السابق صراعات جدية في محيطه.
في تقرير للكاتب أحمد آدم بمعهد تنمية إفريقيا جامعة كونويل عن ثورة السودان قال: سيمضي وقت طويل قبل أن تلتئم الجراح العميقة التي سببها النظام المباد، وحتى لا يمكن لجراح السودان الناتجة عن مآسيها السابقة أن تلتئم لطالما سُمح لأولئك الذين يُلحقون بها الظلم بالإمعان بظلمهم بدون عقاب، وطالما استمر المجتمع الدولي بإطلاق الوعود.
فيما يشير مراقبون إلى أن تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة الذين تسببوا في الحرب في دارفور عبر زرع الفتن والتحريض كفيل ببعث الطمأنينة مجددًا في النفوس المتعبة للبدء مجدداً في فرد مساحات للتسامح والتصافي، بيد أن المحكمة الجنائية الدولية شرعت فعليًا في تسمية 31 تهمة تجاه المتهم بجرائم الحرب والإبادة في دارفور علي كوشيب، وفي بيان لهيئة محامي دارفور إلى أن اعتماد التهم لدى الجنائية في حد ذاته يمثل انتصارًا لأسر ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في دارفور، وللنظر في أمر المتهمين الآخرين من أمثال الرئيس المعزول وأحمد هرون وآخرين.
تجدد الصراع
في الوقت الذي نتحدث فيه عن السلام، نجد أن الصراع تجدد في عدد من ولايات دارفور.. غرب وشمال دارفور لاسيما مدينة الجنينة التي شهدت أحداثاً دامية راح ضحيتها مئات الأبرياء وسالت شلالات الدماء.. ولم تستطع الحكومة في المركز السيطرة على هذه الأحداث رغم اختلاف المسببات.
ولعل أزمة دارفور تشابكت جذورها التاريخية، وتداخلت العوامل الطبيعية (الجغرافية، المناخية؛ الاجتماعية، السياسية)، هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية، وهنالك أبعاد شخصية وطموحات دولية كلها ساهمت في إذكاء الفتنة وزادت من اشتعال الصراع.
وحسب مراقبين رأوا أن الصراع في دارفور قديم متجدد لكن السمة الغالبة عليه هو القبلي وانتشار القبلية والجهوية بين بعض القبائل كما حدث في أحداث الجنينة التي بدأت بشجار صغير بين شخصين وفاقم الحدث أنهما من قبيلتين مختلفتين. إضافة إلى الموارد وغيرها، تلك العوامل أسهمت بصورة سلبية في تأجيج الحرب في دارفور، فضلاً عن الجهل وضعف الوازع الديني للمجموعات المتفلتة وتراجع أدوار الحكومة المركزية في ضبط هذه الأحداث.
نقطة فارقة
لكن في ذات الوقت، أضحت دارفور اليوم في أمسّ الحاجة لتحول جديد ولسلام شامل يجنبها السيناريوهات السلبية التي عاشتها لفترات طويلة.
ويرى المحلل السياسي والمراقب للعملية السلمية في دارفور عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ(الصيحة) أن دارفور الآن أمام نقطة فارقة بين أن يتسامى مواطنوها فوق جراحاتهم أو أن يظلوا فريسة لها، وقال إن إقليم دارفور تاريخياً وقع تحت تأثير كثير من الصراعات حول الموارد من ناحية سياسة وأمنية، لكن في ذات الوقت وتاريخيًا لم يحدث أن ظهرت فيها ظاهرة خطابات الكراهية مثلما يحدث اليوم، وأردف: ثقافة النسيج الاجتماعي في دارفور متكاملة، وهذا لا ينكره أحد، من حيث أن ثقافة الدارفوريين نبذ الكراهية والشاهد المثل القائل (الشين، شين مكانة) وتفسير المثل أنه مهما كانت سلوكية الإنسان وتعقيدها وحتى إذا أضحى عبئاً على المجتمع متوقع منه أن ينعدل سلوك هذا الفرد لذلك فقدان هذا الشخص أسوأ من وجوده القابل للتعديل، وقال: ظاهرة الكراهية التي طفت على السطح في عهد النظام البائد جاءت من التحريض الذي مورس على جماعات إثنية وقبلية من قبل الدولة وأجهزتها الأمنية، وأردف: وأعتقد أن موسى هلال ومناوي من ضحايا هذا التحريض الممنهج مما أظهر القائدين في محل النقد والجدل بالنسبة للمواطن العادي في دارفور.
وأكد أن هذه الممارسات والسلوك الذي أحسبه دخيلاً يمكن أن يعدل إذا اجتهد القائدان بالخطاب الإعلامي والتعليم ثم التعليم.
وبالتالي فإن إنسان دارفور في حاجة إلى بناء جديد ليس على الصعيد السياسي فحسب، وإنما في تأصيل التربية على التسامح في مقدمتها قبول الآخر من دون شعور بنقص أو دونية فالكل شركاء في الوطن ولديهم حقوق كما عليهم واجبات.
تقرير / نجدة بشارة
صحيفة الصيحة