مقالات متنوعة

سليمان الماحي يكتب: الوقاية في الوقت الضائع

من المفارقات الغريبة جداً التي تثير الاستغراب وتبعث على الانزعاج وتشكل مدعاة للرعب المفرط وما أكثرها تلك المفارقات في الساحة السودانية في وقتنا الحاضر، ذلك الاستهتار الواضح في مواجهة فيروس ( كوفيد ــ 19)، اذ الجميع لا يعبأون بأخذ الحيطة والحذر بما يكفي منه للحيلولة دون تسلله إلى انوفهم في طريقه الى الرئتين، حيث تكون الضربة القاضية لحياة المصابين بالمرض.
والمؤكد ان الأكثرية من أهل السودان ــ سامحهم الله ــ لا يعبأون بالفيروس ولا يتعاملون معه على انه كارثة صحية تتهدد حياتهم وتقضي على مستقبلهم ويدمر مجتمعهم، وان بدت لهم تلك المخاطر الصحية واضحة ومؤلمة عندما أرسلت العديد وراء العديد من الناس إلى مصيرهم المحتوم عاجلاً أو اجلاً، وأما الذين كتبت لهم النجاة من الإصابة بالكورونا فهم ليسوا بأفضل حالاً ممن فقدوا حياتهم، حتى وان عادت رئاتهم الى تنفس لاكسوجين بدرجة أو بأخرى، فان تلك لا تمثل النجاة من سيطرة فيروس الكورونا بصورة نهائية، وانما في الغالب لا يمارسون حياتهم بصورة طبيعية حتى يقضي الله أمراً كان محتوماً.
ويجادل نفر من الناس بأن الكورونا مجرد وعكة صحية طارئة، وان أنهكت الحمى أجسام المرضى وأصابتهم بالارهاق والصداع وضيق التنفس، وبعضهم يحسبونها ضرباً من الانفلونزا أو هي حمى الملاريا (عشيقة) الشعب السوداني، ولمن يسأل عن الكورونا يجد جواباً على لسان كل زول هو: ( ما عندنا كورونا).
ولكن الخبر السيئ جداً هو ان الناس في السودان ليسوا على رأي رجل واحد في مسألة وباء فيروس (كوفيد ــ 19)، اذ هم ينقسمون بين قلة مصدقة بأخطار المرض وتسعى لتجنب الإصابة به، بينما الأكثرية الغالبة يقفون على النقيض ولا يأخذون الفيروس المرعب على محمل من الخوف ولا ترعبهم أخطاره الصحية الكارثية، ومنهم من يحسبه مجرد فبركة سياسية هدفها الهاء الناس عن المصاعب الحياتية التي فشلت الدولة المدنية فشلاً واضحاً في ايجاد حلول مقنعة لها كلها أو بعضها.
ومناسبة الحديث عن ( كوفيد ــ 19) تفرضها روايات مؤلمة يتناقلها الناس في المجالس وأيضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتلك روايات تكشف عن مدى الاستهتار الذي يمارسه الناس في تعاملهم مع الفيروس، ولنأخذ مثالاً على ذلك، حكاية مجموعة من النساء ركبت سيارة إسعاف على متنها جثمان رجل على قرابة بهن كان قد توفي نتيجة اصابته بفيروس كورونا، وكان ردهن على من استغرب تصرفهن بأن سيارة الإسعاف تضمن لهن الذهاب والعودة سريعاً إلى أسرهن بعد أداء واجب العزاء ومن غير تكلفة مادية، لكن أيضاً من غير تفكير في العواقب الصحية الوخيمة الناجمة عن وجودهن المباشر لساعات مع جثة مصابة بفيروس كورونا، مما يجعلهن عرضة للاصابة بالعدوى، علماً بان الفيروس المتطور اخذ في الانتشار على نحو متسارع في كل أرجاء العالم، وهو ما أجبر الدول على اتخاذ اجراءات وقائية صارمة ــ طبعاً السودان ليس من بينها ــ وهي تتضمن حظر التجمعات ومنع الجمهور ومنهم الأقرباء من حضور مراسم دفن المتوفين بالكورونا ومعاقبة المخالفين للإجراءات الاحترازية.
ويحدثنا شخص آخر عن تجربته مع الكورونا قائلاً انه ركب عربة نصف نقل ضمن خليط من الرجال والنساء، وعندما جلس بينهم وأخرج الكمامة من جيبه ووضعها على الأنف، وبدلاً من يشكره الناس على تصرفه الذي يضمن السلامة لهم، فوجئ بعاصفة من الانتقادات له من ركاب العربة الذين خطر لهم ان استخدام الكمامة يشكل دليلاً على أنهم مرضى بفيروس (كوفيد ــ 19)، وهو ما عبر عنه أحد الركاب بقوله: (انت قايل نحن عندنا كورونا). لكن الأسوأ هو انتشار ظاهرة تبادل الكمامات الواقية من الكورونا بين شخص وآخر خصوصاً عند الرغبة في الذهاب الى أماكن التجمعات مثل الأسواق والملاعب الرياضية والحفلات، فقد باتت تلك السلوكيات السيئة مألوفة، وربما تطول مدة استلاف الكمامات لأكثر من يوم، وهي ممارسات يفرضها عدم توفر الكمامة أو عدم القدرة على شرائها. وإذا كان السودان استشعر في الزمن الضائع خطر الكورونا التي دخلت مرحلة جديدة من التحور، فإن الاجراءات الوقائية التي جاءت في الوقت الضائع لا تنقذ من الكورونا حتى يغير الناس طرق تعاملهم معها، وهي التي كانت سبباً في تزايد الإصابات بصورة متسارعة، وبلغت في السابق أوجها وأحدثت خسارة بشرية فادحة تمثلت في وفاة العشرات من الأطباء النخبة والسياسيين والعلماء والخبراء، علاوة على مئات المصابين الذين يرزحون تحت وطأة مشقة التنفس والمتاعب الصحية الأخرى، ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

صحيفة الانتباهة