عثمان ميرغني يكتب الانتخابات.. تهديد لمن؟
حديث المدينة // عثمان ميرغني
الانتخابات.. تهديد لمن؟
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطبته أمس الأول في مؤتمر باريس تحدث عن أهمية الوصول إلى مربع الانتخابات لتدشين الانتقال الكامل للديموقراطية.. وما أن تُذكر سيرة الانتخابات حتى يتحسس البعض مسدسه.
في النظم الديموقراطية؛ الانتخابات عملية إجرائية لتحقيق التداول السلمي للسلطة، مجرد وسيلة لا غاية في ذاتها، لكن عند البعض الانتخابات أداة يجب أن تكرس السلطة، فإذا ما لاح في الأفق هاجس خسارتها تصبح رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه، أما إذا أكد واقع الحال أن النتيجة فوز مضمون فغالباً تصبح الانتخابات مطلباً قوياً بل و الأفضل تعجيلها.
لا أحد ينتظر الانتخابات لتعزيز الديموقراطية وحكم الشعب، خاصة إذا كان الواقع الراهن – كما هو الحال الآن- لا يحجب غيب نتيجتها عند البعض اليائس من الحصول على الدعم الجماهيري عبر صندوق الأصوات.
من هذا المنطق تصبح دعوة الرئيس ماكرون تهديداً مباشراً للبعض، ومؤازرة سافرة لآخرين.. فمن هم المهددون ؟ ومن هم المنتظرون على أحر من الجمر؟
حالياً الحزب الحاكم هو تحالف “الحرية والتغيير” ، الضلع الثالث في ترويكا الحكم الانتقالي (مع العسكريين و أطراف العملية السلمية القادمين عبر بوابة اتفاق السلام الموقع في جوبا 3 أكتوبر 2020)..
وبالضرورة أي حزب حاكم يتمنى أن يستمر في مقاعد الحكم، فهل الانتخابات (آجلة أم عاجلة) يمكن أن تمنح الأحزاب في تحالف الحرية والتغيير فترة حكم ثانية؟
الإجابة لا تحتاج إلى بطل، من العسير توقع أن توفر الأصوات الجماهيرية المباشرة تفويضاً جديداً للحرية والتغيير لسببين:
الأول: أصلاً مجموعة الأحزاب في الحرية والتغيير لم تكن ذات رصيد انتخابي مقدر خلال عمر الانتخابات السودانية منذ ما قبل الاستقلال حتى يومنا هذا، ومن الصعوبة تخيل أن يتغير الوضع لمجرد أن النظام البائد أطيح به بهبة جماهيرية، فهذا عين ما حدث في ثورة أكتوبر 1964 ثم تكرر في انتفاضة إبريل 1985.
ثانياً: الحزب الحاكم دوماً مواجه بقصور الأداء الحكومي، في ظل الحالة الاقتصادية التي تضرب المواطن السوداني بقوة في عز استقراره الاجتماعي والنفسي. وقد جمعت الحكومة الانتقالية النصاب الموجب لإسقاطها جماهيرياً بالتصويت إن أتيحت الفرصة للجمهور للتعبير عن رأيه الانتخابي فيها.
بهذه الحيثيات فإن الذين يفرحون بتصريحات الرئيس ماكرون لن يبتعدوا كثيراً عن أسوار الأحزاب التقليدية، الأمة والاتحادي.
بهذا المنطق هل يمكن لحزب حاكم (في هذه الحالة الحرية والتغيير) أن يقبل أو يعمل طوعاً في إضاعة السلطة من بين يديه بانتخابات لن تأتي به ؟
النضج السياسي السوداني لم يبلغ مستوى أن يفكر حزب أو أحزاب في مصلحة البلاد الكلية بعيداً عن المصلحة الحزبية المباشرة ، فلا مجال لحزب يقبض السلطة بكلتا يديه أن يذهب (رافع الرأس يمشي ملكاً) للانتخابات كما يمشي المحكوم بالإعدام إلى حبل المشنقة.
عليه المطلوب انتخابات لكن بصيغ لا تجعل شعارات الأحزاب والساسة..( يا غرق يا جيت حازمها)..
صحيفة السوداني