عثمان جلال يكتب: تحرير الثورة السودانية من الأجندة الخارجية
(1)
عندما انفض التيار الإسلامي الوطني بزخمه الفكري والسياسي وقاعدته الاجتماعية الصلبة عن سلطة الانقاذ الوطني بعد ايلولتها إلى سلطة الفرد رهن الرئيس السابق البشير استمرار سلطته على الذهنية الأمنية، والسند الخارجي خاصة من السعودية والإمارات ، حتى تيار الحركة الإسلامية المنحاز إلى السلطة غدا مثل عجل السامريء والإجسام المالئة التي تحدث طنينا وضجيجا دون إثمار وهكذا أراد له البشير فك الله اسره، ولما أراد الخارج فرض اجندته وشروط دمج النظام اقليميا ودوليا واستمرار البشير للأبد في الحكم طلب منه إقصاء الإسلاميين كليا من الحكم وطرد حركات المقاومة الفلسطينية، والتطبيع مع إسرائيل، وقطع العلاقات مع محور تركيا وقطر، ولما رفض الرئيس البشير هذه الشروط كان محور السعودية والامارات قد اخترق مؤسسات النظام الأمنية الهشة بنظرية الاقتراب الاستراتيجي من الخصم وافلح في ازاحة البشير من هرم السلطة عبر انقلاب اللجنة الامنية 11 أبريل 2019، ولو استند الرئيس البشير على المؤسسة الفكرية والحاضنة الاجتماعية للحركة الإسلامية كانت ستحول أزمة انتفاضة ديسمبر 2018 إلى فرصة ومبادرة تصب في تحقيق قضايا البناء الوطني الديمقراطي مع ضمان بقاء الحزب الحاكم السابق فاعلا في الساحة السياسية الوطنية. ولكنه اتكىء على العقلية الأمنية التي استثمرت الولاء وضيعت الوفاء.
(2)
قوة تأثير السعودية والامارات في مشروع الثورة السودانية بادية وراء كل إطار، حيث يسعيان لوأد مشروع التحول الديمقراطي المستدام لأن تحقيق هكذا مشروع يعني انتقال عدوى الثورة وهواديها إلى شعوبهم التي ترزح تحت وطأة النظام الاستبدادي الاقطاعي، ولأن تحقق قوامة المجتمعات العربية في الحكم تعني زوال انظمتهم العائلية الوراثية، وتعني تهديدا استراتيجيا لحليفتهم دولة الاحتلال الاسرائيلي، وهنا تتلاقى المصالح الإسرائيلية مع مصالح السعودية والإمارات، وهنا أيضا تتجلى خطورة العامل الخارجي على مشروع الثورة السودانية، ولذلك ذكرنا قبلا أن تطبيع سودان الثورة مع إسرائيل ثورة مضادة في الصميم.ويأتيك بالأخبار من لم تزود
(3)
إن الهدف الاستراتيجي لمحور الثورة المضادة الخارجي وأد مشروع التحول الديمقراطي في السودان بإنتاج نظام استبدادي موالي له في قنان جديدة وربما استنساخه من رحم النظام القديم المباد بعد تطويعه وتدجينه، وإنهاء الفاعلية الفكرية والسياسية للتيار الإسلامي الوطني العريض وهنا مظنة اختلافي مع الأخ ياسر عرمان الذي يرى ضرورة التحالف مع محور السعودية والإمارات لمواجهة الاسلاميين لأن في راي أن الأغلبية العظمى من الإسلاميين منحازة مع مشروع الثورة والتحول الديمقراطي المستدام في السودان، لذلك فإن الذكاء السياسي يقتصي الحوار المستمر مع قاعدة وقيادات المؤتمر الوطني لدرء عملية توظيفهم في مشروع الثورة المضادة الخارجي ، ولأن التحالف مع السعودية والإمارات مرحلي وتكتيكي هدفه إقصاء الإسلاميين بادي ذي بدء، بينما غايته الاستراتيجية إقصاء كل القوى الديمقراطية الوطنية بما فيها قوى الحرية والتغيير بعد استقطاب طبقة برجوازية طفيلية تشكل حاضنة للنظام الاستبدادي الذي يجري استنساخه وتسلقه على حد تعبير البروف حسن مكي، ولذلك يبقى التصالح والتوافق بين قوى الحرية والتغيير والتيار الإسلامي الوطني العريض الغائية الاستراتيجية لصيانة وتحرير مشروع الثورة السودانية من أجندة محور السعودية والإمارات خاصة أن مشروع التحول الديمقراطي في السودان يحظى بالدعم الإقليمي المتمثل في الاتحاد الأفريقي والسند الدولي المتمثل في الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يبقى كعب اخيل مشروع الثورة السودانية في حالة الشرخ والانقسام الوطني العميق والذي تتزعمه القيادات البرجوازية للاحزاب السياسية لنزوعات مصالح شخصية، بينما قواعد الاحزاب منحازة بوعي استراتيجي مع مشروع الانتقال والتحول الديمقراطي.
(4)
إن الطريق الثالث لصيانة وتحرير الثورة السودانية من تجاذبات الاختطاف في حالة تعذر تشكيل الكتلة الوطنية التاريخية الحرجة الضغط الكثيف عبر كل قطاعات المجتمع الحية لانهاء السلطة الانتقالية الحالية والتي فقدت الشرعية الثورية والاجتماعية وتنظيم انتخابات مبكرة تنتج قيادة جديدة، ونظام فاعل محصن بشرعية المجتمع ويمتلك ناصية القدرة والأخلاقية لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والتوافق الاستراتيجي حول أهداف وشعارات الثورة السودانية.
صحيفة الانتباهة