رأي ومقالات

عبد الرحمن بشير: الترابي الذى فقدناه

حين يتكلم الفيلسوف ، ينصت المفكر ليستمع ، وحين يقرأ العالم الباحث الكتاب ، يناقشه العالم ، فهذه الصورة الرائعة التي تصاحب صور المقال تحمل معاني جمة ، المفكر القانوني ، والأستاذ الداعية الدكتور حسن الترابي رحمه الله مع المفكر الداعية ، والمدرب العالمي الدكتور طارق السويدان حفظه الله ، إنها تحمل شيئا للذين يعرفون قيمة العلم والفكر .
يعتبر المفكر المسلم حسن الترابي من القلائل الذين كتبوا ، وجربوا ، وأخطأوا ، وتجاوزوا ، وناقشوا ، وصعدوا ، وهبطوا ، وذهبوا إلى الحكم مرات ، وصاروا معارضين مرات أخرى ، وجلسوا كرسي الحكم ، ودخلوا السجن ، واتفقوا مع الأصحاب ، واختلفوا ، وخاصموا ، وتنازلوا ، فكان كتابا مفيدا وعظيما .
لدينا من يقرأ الترابي فى أخطاءه ، ولدينا من يستفيد الترابي فى عطاءاته ، وأنا لست منهما ، بل أنا أحاول أن أفهم الرجل فى كل محطاته ، فالرجل عظيم فى كل المقاييس ، ويعجبنى فى الرجل صراحته ، وعناده ، ومع هذا فقد كان قمة فى التواضع كما ذكر جميع من عاش معه ، ومن زاره فى بيته ، ومن تعامل معه من الأحباب والخصوم ، وأكثر مما يعجبنى حبه للعلم ، وإعلان أفكاره بدون خوف من الأحباب والخصوم ، كان لفتة عجيبة من لفتات التاريخ .
هناك أعداء كثيرون يكرهونه ، بل يبغضونه ، وإلى جانبهم أحباب كثر يحبونه ، وهذا هو القائد ، فالناس يختلفون عليه ، فمن أحبه الجميع فليس بقائد ، ومن فشل فى جمع الناس حوله فليس بقائد ، فالقائد يصنع أعداؤه ، كما يصنع أصحابه ، هناك من يخطط فى التخلص منه ، وهناك من يعمل فى الدفاع عنه ، وعن أفكاره ، وهكذا كان الترابي رحمه الله .
كتب عن المرأة كتابا رائعا ، وتوقف عنده المفكر السياسي الدكتور عبد الله النفيسي مبكرا ، وكتب تعليقا منه فى مجلة المجتمع فى الصفحة الأخيرة فى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين ( على صهوة الكلمة ) ، وكتب ذلك فى وقت كانت المرأة وقضاياها غائبة عن الخطاب الإسلامي ، وكتب أيضا عن الفن والدين فى لحظة كان المتدين يلعن الفن وأهله ، ويبتعد الفنان عن أجواء الدين ومناخه خوفا من التزمت الديني ، وكتب عن تجديد آصول الفقه يوم أن كان الناس يخافون من مصطلح التجديد ، وأخيرا كتب وهو فى المرحلة الأخيرة محاولته الأخيرة فى التفسير ( التفسير التوحيدي ) ، وحتى العنوان يعتبر جديدا على العقل المسلم ، فقد أضاف المفكر حسن الترابي إلى المكتبة الإسلامية روحا فى التفسير جديدة ، والرجل كان حتى آخر حياته مفكرا يعطى ، ويمنح ، ويخاصم ، ويعادى ، ويوافق ، ويرفض ، ويقبل ، ويوجه ، فقد كتب فى السجن الأخير محاولته الفكرية فى عالم السياسية ( السياسة والحكم ) ، والكتاب عندى ألغاز سياسية ، وأفكار متطورة جدا ، وربما ، سيحتاج إلى أجيال وأجيال حتى يفهم ، فالكتاب ليس تراثيا ، وليس كذلك حداثيا ، فهو كتاب يؤخذ من الوحي بلا عوائق .
لقد عشت مع أفكاره ، وما زلت ، وعشقت الرجل ، وما زلت ، ورأيت الناس ظلموه ، وما زالوا ، والسبب هو أنه كان من السودان ، ربما ، أو كان إستثناءا ، ربما ، ولكن مع ذلك فقد قرر قبل موته بأن السودان سوف تواجه أيامًا صعبة ما لم يقرأ رجال السياسة الحالة بعقل جديد ، ومن هنا طرح مشروعه الفكري والسياسي الأخير ( الخالف ) ، وهو مشروع سياسي من شأنه إنقاذ السودان إلى ما صارت إليه ، فقد كان قارئا عظيما للتاريخ ، ومفكرا قديرا ، وقائدا محنكا ، وسوف يتحدث الناس عنه بعد قرون ، كما نتحدث الْيَوْم عن ابن خلدون ، فالعظيم يموت فى أمته ، وهي بحاجة إليه ، ولكنها تنشغل عنه بسفاسف الأمور .

عبد الرحمن بشير

‫3 تعليقات

  1. “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)”
    حشرك الله مع من تحب

    1. استخدام كلام الله فى الرد على المخالفين اسلوب غير كريم ياسيد كمال الدين مشكلتكم ايها المسلمون …الاسلاميون….المتدينون سمكم ماشئت هى ادعاء كل منكم انه الحق وان غيره الباطل

  2. ضحالة فكر الترابي وقصر نظره وسوء تقديره تبدى في تدبيره للانقلاب العسكري للوصول الى السلطة . وتبدى كذلك في نهجه لحكم السودان بعد اغتصابة للسلطة .. إذ لم تكن التنمية الاقتصادية للنهوض بالبلد والارتقاء بمعاش الناس في حساباته ولا من اهتماماته أصلاً . كل همه كان محصوراً في إنزال فكره على الأرض في السودان ليكون السودان بلداً (رسالياً) تنطلق منه الثورة (الاسلامية) التي هو مرشدها لتطيح بأنظمة الحكم في العالم العربي والاسلامي .. بل وتحدث تغييراً في العالم أجمع .
    وما استبان الترابي خطل فكره وفساد رأيه إلا بعد ما جعل من السودان وكراً لجماعات الهوس والتطرف الديني من مختلف بلاد العالم . وبعدما أدخل السودان في عزلة وعداء مع دول الجوار ومع الدول الكبرى التي كان يسميها في خطابه الديني الثوري الرسالي بدول الإستعلاء والاستكبار .
    ولذلك من المستغرب جداً أن تجد من الناس من لا يزال يرى في الترابي مفكراً فذاً راجح العقل ثاقب الرؤية وسديد الرأي .