منوعات

البطاطس المقرمشة القاتلة.. السم اللذيذ الذي تطعمه لأطفالك

يعتقد بعض المؤرخين أن ماري أنطوانيت، آخر ملكات فرنسا ما قبل الثورة، قد اعتمدت تزيين شعرها بأزهار البطاطس، وهذا ما فعله أيضا زوجها لويس السادس عشر، ويُفسِّر المؤرخون هذا الفعل أنه كان محاولة منهم لتشجيع المزارعين على زراعة المزيد من البطاطس. وبعد انتشار البطاطس في أميركا وأوروبا، بدأت هذه الثمرة بدخول مجال الصناعة ودفعت المُصنِّعين لابتكار نموذج صناعي يُناسبها، وهذا ما ساهم باستخدام الأسمدة المكثفة والزرنيخ كأول مبيد اصطناعي للقضاء على خنفساء البطاطس في كولورادو. وهذا كله يُفسِّر الشعبية التي تحظى بها البطاطس منذ القدم، وقدرتها على المحافظة على مكانها على موائدنا حتى يومنا هذا.

(1)

مُصادفة غريبة وحرب باردة كانت وراء ابتكار أشهر المقرمشات التي نستمتع بها هذه الأيام. كان ذلك في عام 1853، حين أصبحت أصابع البطاطس المقلية مشهورة وعلى رأس قوائم الطعام. في نيويورك، دخل زبون -من الصعب إرضاؤه- أحد المطاعم وبادر بطلب طبق من البطاطس المقلية ليُجرِّبها، ولكن ما إن وصله الطبق حتى أرجعه مُعلِّقا أنها عريضة وليست مقرمشة، عدَّل الطاهي الطبق ولكن الزبون أرجعه مرة أخرى، مما جعل الطاهي يشعر بحرارة الإهانة في مطبخه تلفح وجهه. وكحركة انتقامية منه، قطَّع البطاطس تقطيعا رفيعا كالورق حتى يصعب على الزبون تناولها بالشوكة، وحتى يُجبره على استخدام يديه، ولكن هذا الانتقام جعل الزبون راضيا إلى درجة أنه التهم الطبق كاملا مُبديا إعجابه بوجبته، ومن هنا جاءتنا فكرة رقائق البطاطس.

خلال العقود التالية، أصبحت الرقائق المقرمشة مُنتجا مُفضَّلا للملايين حول العالم، وتُفنِّن في إعدادها بإضافة نكهات مختلفة، ما جعلها تقف على الدرجة العليا من سلم المقرمشات التي تكون غالبا الخيار الأول والرفيق في الرحلات، والسهرات المنزلية، وغيرها من المناسبات. لكن للأسف هناك دوما أخبار سيئة، فالمنتج الذي نعشقه جميعا قد يكون خطيرا على صحتنا وصحة أبنائنا وأحبابنا إلى درجة لا نتخيلها.

أجرى الاتحاد الأوروبي دراسة لمدة 3 سنوات هدفها اكتشاف السموم الغذائية الناتجة عن الحرارة، وخلصت الدراسة إلى أن هناك أكثر من 800 مركب ينتج بفعل الحرارة، من بينها 52 مادة مسرطنة محتملة. إحدى هذه المواد مادة كيميائية خطرة تُعرف باسم الأكريلاميد (Acrylamide)، تُسبِّب طفرات في الحمض النووي، قد تكون مسؤولة عن زيادة خطر الإصابة بالسرطان وربما تُؤدي إلى اضطرابات عصبية. [3] وفي عام 2003، حثَّت هيئة الغذاء والدواء (FDA) المستهلكين من الحد من استهلاك المصادر الغذائية التي تحتوي على الأكريلاميد. من الجدير بالذكر أيضا أن الشركات المُصنعة غير مسؤولة -مباشرة- عن إضافة هذه المادة للعديد من المنتجات التي تحتوي عليها، فهي مادة ثانوية تنتج من طهي بعض الأطعمة النشوية عند درجة حرارة مرتفعة. (4) (5)

وهنا قد يقف المستهلك متسائلا عن كيفية تقليل تعرُّضه لهذه المادة السامة التي تُغلِّف الكثير من المنتجات، وتُعَدُّ مسؤولة عن اللون البني اللامع الذي يُغلِّف أغلب المخبوزات، ورقائق البطاطس، والدخان، والمقرمشات، والقهوة، والكعك، وفي هذه النقطة تحديدا تبرز مسؤوليتنا عن اختيار ما نأكله، ومدى قدرتنا على حمل أنفسنا على التوقُّف أو التقليل من تناول الأطعمة الضارة حتى لو كانت تُثير شهيتنا (6).

يؤكد الباحثون أن 30% من الأمراض التي تُصيبنا ترجع في المقام الأول إلى النظام الغذائي الذي يتبعه الفرد، وهنا تكمن المسؤولية. لا يمكننا إلقاء اللوم دوما على الشركات المُصنعة للمنتجات التي يمكننا تقليل استهلاكنا لها، خاصة إذا كانت علامات الاستفهام والخطر تحوم حولها أو حول مُكوِّن من مكوناتها. في هذا الصدد قدَّمت هيئة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بعض النصائح للمستهلكين لمساعدتهم على الاستمتاع برقائق البطاطس المحضَّرة منزليا والحد من التعرُّض لهذه المادة السامة عن طريق شرائها جاهزة (7):

أولا: تجنب الإفراط في الطهي، إذ يتكوَّن الأكريلاميد بنسبة أكبر كلما طالت مدة القلي تحت درجة حرارة مرتفعة.
ثانيا: عدم تخزين البطاطس في الثلاجة، حيث يمكن لدرجات الحرارة المنخفضة في الثلاجة أن تزيد من نسبة تكوُّن الأكريلاميد عند الطهي.
ثالثا: يُنصح بتقطيع شرائح البطاطس ونقعها في الماء لمدة تتراوح بين 15-30 دقيقة قبل الطهي، هذه الخطوة تُقلِّل من نسبة تَشكُّل الأكريلاميد خلال الطهي.
رابعا: اللون الذهبي للبطاطس الناضجة هو اللون الآمن، فكلما أصبحت البطاطس بنية اللون دلَّ ذلك على تَشكُّل نسبة مرتفعة من الأكريلاميد.

قد تكون الشركات المُصنعة لرقائق البطاطس المقرمشة بريئة من إضافة الأكريلاميد، حيث إنه يتكوَّن ذاتيا أثناء الطهي، لكن ذلك لا يعني أن هذه الشركات غير مذنبة تجاه صحتنا تماما. ففي المقابل، تقوم الشركات بإضافة مستحلب دهني باسم الأوليسترا، وهو مادة لا تتمكَّن معدة الإنسان من امتصاصها ولذلك تخرج عن طريق البراز مُسبِّبة الإسهال وعدم ارتياح معدي ومشكلات هضمية قد تُعرِّض الأطفال في النهاية إلى خطر الإصابة بسوء التغذية. ويتعدى الأمر ذلك لينال من الفيتامينات الموجودة في الدهون، حيث تقوم هذه المادة بإذابتها وإخراجها عن طريق البراز مُسبِّبة نقص الفيتامينات الذي يُسبِّب مشكلات صحية مختلفة عند الأطفال والكبار أيضا. (8)، (9)، (10)

في المرة القادمة، حين تُمسك كيسا من رقائق البطاطس المقرمشة، الوجبة الخفيفة التي نطعمها لأطفالنا ولأنفسنا، والخيار الذي يجتاح الأرفف بمختلف نكهاته وألوانه، والمنتج الذي يُشعل منافسة كبيرة بين الشركات المنتجة العالمية منها والمحلية، عليك أن تتذكر أنها تحتوي على الأكريلاميد السام، إلى جانب الأوليسترا، وإذا لم يكن ذلك كافيا للامتناع، يمكنك أيضا تذكر التالي (11)، (12):

أولا: تحتوي رقائق البطاطس على نسبة عالية من الدهون المشبعة التي تُشكِّل خطرا كبيرا على شرايين القلب نتيجة ترسُّبها.
ثانيا: تُقلى هذه الرقائق في زيوت مجهولة المصدر، وغير معلوم وقت تجديدها، وهذا يزيد من فرص احتوائها على الدهون المتحولة التي تنصح هيئة الغذاء والدواء بتجنُّبها تماما في نظامنا الغذائي.
ثالثا: تزيد الشرائح المقلية من إفراز أحماض المعدة التي ترفع بدورها من خطر الإصابة بأمراض المعدة، مثل: النزلات المعوية، والقرح.
النداء لصحتك لن يتوقف. ونصيحة أهل الاختصاص لن تتبدل بضرورة العودة لكل ما هو طبيعي، وتقديم البدائل لكل صناعي لا نعلم ما المواد والمركبات والطريقة التي صُنع بها!

كما سبق وأشرنا، لدى البطاطس تاريخ طويل ومُثير، حيث عبدتها قبيلة الإنكا في مرتفعات البيرو، وأُلقي اللوم عليها في المجاعة الكبرى في أيرلندا حين فسدت محاصيل البطاطس في أوروبا. أما اليوم، فتُعَدُّ البطاطس رابع أكبر محصول غذائي في العالم! هذا المحصول الذي يُفضِّله الجميع، الكبار والصغار، بكل صوره المقرمشة والمهروسة والمقلية والمخبوزة (13). وحتى في خيالات السينما، يُخبرنا فيلم “the martian” أن البطاطس حصلت على فرصة لنجاح زراعتها على سطح المريخ!

ولكن النداء للحفاظ على صحتك لن يتوقَّف رغم كل هذا، ونصيحة أهل الاختصاص لن تتبدَّل بضرورة العودة إلى كل ما هو طبيعي، وتجنُّب المواد والمركبات الصناعية الضارة. يقول الدكتور آلان غرينز إن الأطعمة التي نتناولها هي المصدر الرئيسي للمواد الكيميائية في أجسادنا. ففي عام 2005، أُجريت دراسة على الأطفال الرُّضع وكانت النتيجة صادمة؛ حيث وُجد ما يقارب 200 مادة كيميائية صناعية يحويها جسد الرضيع لحظة الولادة، وعندما سُئل الدكتور غرينز عن كيفية تغيُّر الطعام مع الوقت وكيف أثَّر بنا كل هذا؛ كانت إجابته المُختصرة تستحق تأملنا: “لم يتغير، ولكن طعام والدي ووالدك عندما كانوا أطفالا لم يكُن إلا عضويا”.

المصدر : الجزيرة