أحمد يوسف التاي يكتب: قوات درع الشمال
(1)
قبل أيام استمعتُ إلى فيديو يتحدث من خلاله قائد حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي عن المصالحة الوطنية كضرورة حتمية وجسر للعبور بالبلاد من الانزلاق نحو الهاوية… والحقُ أني لم استمع إلى أجمل من ذلك الخطاب خلال العقود الثلاثة الماضية من حيث الموضوعية والواقعية والمسؤولية
الوطنية ومن حيث النظرة الاستراتيجية العميقة كواحدة من أهم مطلوبات التعايش وإدارة الاختلاف على أسس موضوعية قائمة على الاعتراف بالآخر واحترام التنوع … وأقول والله لو أن مناوي صادق فيما يقول ولم يكن خطابه ذاك للتخدير والتمويه السياسي فابشروا ببزوغ فجر قائد جديد متجرد متسامح لا
يحمل الحقد ولا الضغائن ويتجاوز كل الصغائر في سبيل وطن قومي مستقر وآمن ومسالم ومتعايش ومشرئب نحو المستقبل نقول ذلك رغم أن الرجل كان جزءاً من نظام البشير واقتسم معه السلطة في يوم ما، ولكن لا بأس طالما أنه يحمل فكراً قومياً متجرداً…
(2)
لكن هذه النشوى التي تنسرب مع حديث مناوي الموضوعي الذي يثلج الصدور تستلبها تسجيلات جهوية عنصرية ناقمة على من تسميهم أبناء «الشمال النيلي» وتصورهم على أنهم محتلون نهبوا خيرات البلاد واستأثروا بمواردها ولم يتركوا إلا الفتات لأبناء الهامش في دارفور …. التسجيلات العنصرية
الجهوية لم تكتف ِ بالتحريض على الشماليين بل تحذر قوات الدعم السريع، الحركات المسلحة من عدم الخروج من الخرطوم واهتبال الفرصة الذهبية التي لن تتكرر، كما تدعو إلى توحيد أبناء دارفور في مواجهة «النخبة النيلية» و»الشمال النيلي»…. هذه التسجيلات الجهوية العنصرية ربما
تحمل الناس حملاً إلى قراءة خطاب مناوي، وسباق قادة الحركات المسلحة لزيارات متواترة إلى ولايات الشمال في سياق مختلف تختلط فيه السياسة بالقومية… أقول ربما….
(3)
لكن (ربما) هذه التي سبقت الإشارة إليها تبدو أقرب للواقع عندما تأتيك ردة فعل الطرف الآخر تحملها الوسائط ومواقع التواصل الاجتماعي وتتلقفها المواقع تحت عنوان …عاجل…
«قادة قوات درع الشمال»…
– لا نستهدف احداً او جهة ، بل نسعى للحفاظ على الاستقرار والامن . والحفاظ على الحقوق.
– قواتنا نوعية ذات كفاءة عالية وانضباط ، وعقيدة قتالية متطورة.
– قوات درع الشمال الان تتكون من اكثر من (120) الف مقاتل ، ضمت كل من تم انزاله او رفته من ضباط القوات المسلحة والقوات النظامية الاخرى ، وقوات العمليات ، من ولايات الشمال والوسط وشمال دارفور، وآلاف الذين تدربوا في قوات الدفاع الشعبي وشاركوا في العمليات في ربوع السودان ،
وآخرين.
– اضطررنا لتكوين هذه القوات وتجميعها بعد ارتفاع نبرة التهديد والوعيد للشمال والشماليين…
وعموماً إذا صح وجود هذه القوات أم لم يصح، فإن مجرد التفكير في إنشائها سيظل نذير شؤم يضع البلاد على شفا حرب أهلية جديدة محتملة نتيجة لسيول التسجيلات العنصرية التي حذرنا منها مرات عديدة…
(4)
أقول للسيد مناوي إن خطابك الموضوعي ونظرتك الاستراتيجية ودعوتك للتسامح والمصالحة الوطنية ومحاسبة كل من ارتكب جرماً ستذهب أدراج الرياح في غمرة تصاعد نبرة الجهوية والعنصرية والقبلية، ولهذا فإني أدعوك وكل أعضاء مجلسي السيادة والوزراء أن تكون الأولوية أولاً لإيجاد تشريع يكافح
الجهوية والعنصرية بنصوص واضحة وعقوبات رادعة وحسم لازم، ولو أنكم تنشدون الأمن والاستقرار والنهوض بالبلاد افعلوا هذا أولاً، حاصروا الدعوات الجهوية والعنصرية والقبلية كما تحاصرون «أوهام» الإرهاب حينما تطلب منكم أمريكا واسرائيل، فهذا هو الإرهاب والخطر الحقيقي الذي يهدد
استقرار بلادنا وأمنها القومي، أم أنكم معنيون بأمن اسرائيل وأمريكا أكثر من السودان……. اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة
كل حديث عن المصالحة الوطنية الآن يشيد به كل أتباع نظام الانقاذ البائد .. من كيزان وغيرهم _كاتب المقال كمثال_ لأن المصالحة تعني لهم التجاوز والعفو عن كل فسادهم وجرائمهم .