مقالات متنوعة

حمدوك .. رشة الملح في صحن العسل

دعوة رئيس الوزراء دكتور حمدوك بضرورة الحديث عن المسكوت عنه في العلاقات بين السودان ومصر ، وفتح ملف حلايب وشلاتين من أجل الوصول إلى تفاهم حوله ، هي دعوة مهمة تستحق ماوجدته من انتباه واهتمام في أوساط الشارع والمراقبين ، لسببين الأول أن هذه الدعوة جاءت بمثابة مراوغة ذكية لصمت القاهرة وتفاديها التطرق لهذا الملف ضمن استراتيجيتها في كسب الوقت لاستكمال مشروع وضع اليد والتمصير التام لحلايب وشلاتين ، خاصة وأن المنطقة تخضع لسيطرة الجيش المصري حالياً وبالتالي تظن مصر أنها ليست بحاجة للاستعجال في التعاطي والتجاوب حتى مع دعوات الذهاب للتحكيم .
أما السبب الثاني هو أن حديث حمدوك جاء في ظل مناخ عالي الانتعاش في العلاقات الثنائية بين البلدين وليس في ظل وجود أي نوع من التوتر أو الخلاف أو التباين في المواقف بين مصر والسودان ، وهذا في الواقع أمر جديد ومختلف عن السابق حيث كان ملف حلايب وشلاتين يستخدم من الحكومة السودانية سياسياً فيطفو على السطح كلما تراجعت العلاقات بين البلدين ، ويختفي تماماً من المشهد حين تعود العلاقات سمناً على عسل .
حمدوك هذه المرة رش بلطف القليل من الملح على طبق العسل هذا ، في خلطة علاجية معروفة لتخفيف التهاب الحلق .. فهو لم يطعن إبرة علاجية مؤلمة ، بل كان فعله مجرد ملامسة للملف خاطب فيها عقل المصريين وبعث برسالة تميل الى النصح بضرورة الحديث عن المسكوت عنه في العلاقات بين البلدين، وفتح ملف حلايب وشلاتين من أجل الوصول إلى تفاهم حوله خلال لقاء كان يخاطب فيه نخباً من الإعلاميين والأكاديميين والباحثين .
وهذا مهم ..جداً لأن استمرار الصمت المصري ، يزيد من تورط الحكومات المصرية في حرج كبير مع شعبها الذي رسخت هذه الأنظمة في ذهنه أن حلايب وشلاتين مصرية وهي الآن تحت اليد ، وبالتالي تزداد امام هذه الحكومات المصرية صعوبة مواجهة شعبها في يومٍ من الأيام لو رغبت او اضطرت ان تقول بأنها يجب أن تذهب مع السودان الى التحكيم الدولي أو فتح النقاش مع السودان حول ملف حلايب وشلاتين .
فبالرغم من أن الساسة السودانيين ظلوا يرددون من منصات الاعلام السوداني التأكيد على عدم التنازل أو التفريط في شبر من أرض السودان وأن حلايب وشلاتين هي سودانية، ويجددون الشكوى الأممية الدورية ضد مصر ، إلا أن حديث حمدوك الذي لم يتضمن مثل هذه العبارات كان مهماً للغاية لأنه ذكَّر المصريين بأن معالجة هذه القضية وغيرها من ما وصفها بالقضايا المسكوت عنها هو الذي يؤسس أرضية صلبة لعلاقات تتسم بالندية والجدية وتعظيم المصالح المشتركة .
الكثير من الناس القوا باللوم على حمدوك بأنه لم يتحدث بلغة الضغط على مصر ومواجهة الملف بعبارات تؤكد تمسك السودان بأرضه ، لكن في تقديري أن حديث حمدوك كان قد أخذ مساراً وطريقاً مختلفاً يقود الى نفس النتيجة ربما بفعالية أكبر في المستقبل لأن مصر تعلم تماماً أهمية السودان بالنسبة لها حالياً وأهمية دوره في ملف سد النهضة وموقف السودان الذي تحرك كثيراً من نقطة الحياد الى خانة الاصطفاف مع مصر في هذا الملف ، كما أن هناك تطلعات كبيرة في العلاقات الثنائية ومصالح واسعة تجعل رسالة حمدوك تصل دون حاجة الى اللجوء للغة الضغط الصريح والتلويح بتلك الأوراق .
شوكة كرامة
لاتنازل عن حلايب وشلاتين

صحيفة اليوم التالي

تعليق واحد

  1. يا رائع، فى الطرح والسرد الجميل لمثل هذا النوع من المواضيع، لو صدق الذى حدثني عن حلايب والدعم والخدمات المقدمه من الحكومه المصرية، لو وصلت الحلول الى الاستفتاء، الاجابه عندك، كما قال الشاعر ،انى خيرتك……..!!!!!!!!