أعد.. وقابلني
الكلمتان المذكورتان في العنوان أعلاه.. كانت من أقسى الكلمات التي يمكن أن تطالعها عيناك وانت صغير في المدرسة الابتدائية.. (طبعاً من الواحد يقول ابتدائي.. تعرفه من ناس قبل الميلاد ).. أعد يكتبها لك الأستاذ اذا تجاوزت أخطاءك الحدود وصار لون الكراس أحمر من كثرة الخطوط والدوائر حول الكلمات.. لكن (اعد ) وقعها أخف بكثير من كلمة (قابلني )..فالأخيرة تعني ان الأمر لن يقف عند حد التأنيب اللفظي .. وانما ستصحبه.. (حاجات تانية حامياني).. من شاكلة جريد النخل.. وحافة المسطرة وكدا.. ولذلك كنا نأتي لها بكامل الاستعداد.. اما كلمة (الرجاء احضار ولي الأمر ) ذلك يعني ان الملف انتقل الى مرحلة لا يمكن اصلاحها.. ولا ينفع في تلك المواقف الا الدعاء.. بالتخفيف.. وحوالينا ولا علينا.
بعد سقوط النظام.. حدثت كثير من المراجعات.. وفتحت ملفات ودفاتر.. وكانت سيرة وانفتحت.. ولم تغلق حتى الآن.. أغلب المراجعات كانت في ثراء أعضاء الحزب الحاكم سابقاً.. وتجريدهم من الممتلكات التي تحصلوا عليها بدون وجه حق.. وتم أيضاً الحجز على عدد من الشركات وايقاف عملها حتى إشعار آخر.. وفي هذا الصدد نتقدم باقتراح وهو تطبيق نظرية (أعد وقابلني)
خذ عندك مثلاً.. الطرق القومية.. والداخلية.. أسوأ طرق في العالم كله.. اقولها بثقة.. فلم أر في أي بلد زرتها او شاهدتها عبر الوسائط.. طرقا رديئة مثل الطرق السوادنية.. على سبيل المثال لا الحصر.. الطريق القومي الذي يربط الخرطوم ببورتسودان والذي تقطعه الشاحنات جيئة وذهابا.. طريق في بدايته هنا في الخرطوم محلية شرق النيل.. الطريق مظلم تماما.. لا توجد به اي اضاءة.. اضحك معي ساخراً، حتى أعمدة الانارة لم يتم تركيبها .. الطريق يعتمد على أضواء السيارات كليا.. لاحظوا معي انه طريق لحركة الصادر والوارد.. هذا الطريق ذاته ملئ بالحفر والاسفلت.. متقطع في أغلب أجزائه خاصة المنطقة بين عطبرة وهيا.. الطريق ضيق جداً.. وكان في الامكان عمل أكثر من مسار في الاتجاه الواحد.. الاسفلت قشرة خفيفة جداً.. يأتيك الاحساس ان الطريق للاستخدام مرة واحدة فقط (disposable ).. هذا الطريق تم تعبيده في ايام البترول .. والمؤسف ان الأسفلت لم يكن يكلف شيئاً.. فهو احد مخلفات البترول.. الذي كنا ننتجه ونصدره.. ولم نستفد منه شيئاً حتى أرخص مخلفاته.
الامر ينطبق على طريق مدني.. وكسلا.. وطريق التحدي.. وأكيد بقية الطرق التي لم تسنح لي الفرصة للسفر عبرها.. الحوادث التي تفجعنا كل يوم.. ونفقد فيها أحبة واعزاء.. أهم أسبابها الطرق الرديئة.. والتي تتسبب في خروج السيارات من مساراتها لتلافي الحفر.. او يضطر السائق للدخول في حفرة لتلافي السيارة القادمة من الاتجاه المختلف..
الشئ الذي يثير الاعصب فعلاً.. ان كل طريق قامت عليه شركة هندسية.. وشركة استشارية.. وسبقته لجان.. ومجالس.. وكانت هناك عدد من السفريات للاطلاع على تجارب الدول الأخرى.. تلك الدول التي غادرت محطة الطرق البرية.. وصارت في مراحل الجسور المعلقة.. والقطارات.. وعربات المترو التي تجوب باطن الأرض فيها.. تذهب تلك اللجان وتجوب في الأسواق.. ويأتي اعضاؤها محملين بالهدايا.. والتذكارات.. الا ذلك الذي ذهبوا من أجله.. (تجارب الآخرين)
لو كان الامر بيدي.. لطلبت ملفات الشركات التي كانت مسؤولة عن هذه الطرقات.. وفتحت جلسات للمحاسبة.. تكون فيها العقوبة على طريقة أعد وقابلني.. .. أعد تعبيد ذلك الطريق.. او قابلني لاعادة المبالغ التي أخذتها مقابل بناء الطرقات.. كل الشركات التي سلمتنا طرق غير مطابقة للمواصفات.. تلك التي تم تعبيدها (عدي من وشك).. كل الشركات التي اتخذت (الكلفتة شعاراً).. يجب عليها اعادة ما فعلت ولكن بطريقة جيدة هذه المرة وتحت المراقبة والمحاسبة يجب ان تطال الشركات الاستشارية وتلك اللجان التي تسلمت هذه المشاريع غير المطابقة.
اعد وقابلني للجميع.. الا تلك التي وقع عليها عطاء بناء مطار الخرطوم الجديد.. .هذه نسيج وحدها.. لذلك سنطبق عليها كل العقوبات .(أعد وقابلني ) وبعد ذلك.. استدعاء ولي الأمر.. ويا (الله حضرني).
***********
ناهد قرناص – صحيفة الجريدة
اقتباس :
(طبعاً من الواحد يقول ابتدائي.. تعرفه من ناس قبل الميلاد )
…..
طيب لو قال أولية .. يبقى من ناس متين؟ … من ناس قبل الوجود ؟
😁