الكباشي محمد احمد يكتب: المحليات.. (كيف العودة تاني؟ )
قبل ذهاب الإنقاذ باشهر قليلة، حاولت وزارة الحكم الاتحادي حينها معالجة الخلل الواضح في ما يلي الكم الهائل من المحليات من أجل اعادة هيكلة ودمج المحليات، وذلك لتقليل الصرف وتصحيح الاخطاء التي نتج عنها ميلاد محليات جاءت على اساس قبلي واثني. وبالفعل شرعت وزارة الحكم الاتحادي حينها في انفاذ هذا المخطط من خلال استبيانات تحتوي على كل تفاصيل الحكم اللامركزي وتقسيم الولايات إلى ستة قطاعات للدراسة بغية التوصل الى أسس ومعايير لإزالة الترهل الوظيفي، ولم تكتمل الخطوة لاسباب عدة من بينها العامل الاقتصادي لدى كل محلية، الى جانب عوامل اجتماعية. ومع مجيء الحكومة الانتقالية التي فرضت واقعاً مغايراً لنظام الحكم السابق بالتالي حملت الوثيقة الدستورية بنداً للعودة لنظام الحكم الإقليمي.
واذا كان تقسيم البلاد لولايات قد شكل عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة، فإن تناسل المحليات قد ارهق بدوره خزائن الولايات الخاوية اصلاً على عروشها. وعلى سبيل المثال، فقد تصدرت ولاية جنوب دارفور الولايات من حيث عدد المحليات، اذ انها بلغت نحو (21) محلية، ويبدو ان الولاية تتجه للمزيد من المحليات، فقد حملت الأخبار تشكيل لجنة لإعادة النظر فى تكوين بعض المحليات بالولاية، ومن غير المنطقي أن تتجه مكونات الولاية للبحث عن مزيد من المحليات في الوقت الذي تشهد فيه الولاية صراعات وموجة اقتتال بين مكونات عرقية لاسباب مختلفة، ولكنها لا ترتقي الي الحد الذي تسيل فيه الدماء على نحو الاخبار الواردة بصورة تكاد تكون معهودة، فمحاولات التصحيح ستقود لإشعال نار الفتنة وتعيدنا الى مربعات سوداء ومحليات ذات المعيقات التي واجهت خطوة وزارة الحكم الاتحادي في الحكومة السابقة، وجنوب دارفور وفقاً لواقع محلياتها غاب عنها التخطيط الإستراتيجى واستبطن فى طياته مآرب النفوس، وفتح فرصاً لاستيعاب الكوادر وخلق وظائف عالية التكلفة بها يتم شراء الولاء والاسترضاء وإغراء البعض واسكات البعض الآخر وسلب وهضم حقوق لآخرين .
والحقيقة ان جنوب دارفور تكفيها ثماني محليات تقليلاً للصرف الادارى والاهتمام بالتنمية والتطور والبنيات التحتية وتقديم الخدمات الضرورية، فهناك مدارس بلا تخطيط وفقاً للكثافة السكانية، وافتقار لأبسط الخدمات المرتبطة بصحة المواطن الذى يقطع المسافات لحاضرة الولاية لتلقي العلاج، والموارد الشحيحة والامكانات الضعيفة تذهب لتسيير دولاب حكومة المحلية بدلاً من التنمية والخدمات. والشواهد كثيرة، فبين رئاسة محليتين المسافة أحيانا نصف ساعة، وكلتاهما لا ترتقيان لاقامة وحدة ادارية ناهيك عن اقامة محلية، وفقاً للخبر فى الظروف الحالية المفتقرة للقوة وبسط هيبة الدولة، وهو ما تحتاجه الولاية فى ربوعها، وهذه الهشاشة فى الأمن والتفلت وسقوط الارواح وسفك الدماء نتيجة لفقد هيبة الدولة على الأرض.. فيا ترى هل الوقت مناسب لطرح هذه الفكرة، والصراعات والتجاذبات القبلية تغطى الولاية منها الظاهر للعيان ومنها المستبطن؟ وهل هى أولوية قصوى؟ والأهم هل الولاية لديها الاستعداد المتكامل لجعله واقعاً دون تأثيرات؟ وعلى أى الأسس ستتم إعادة النظر فى المحليات؟
فالعودة الى نظام الاقاليم لا بد ان تتبعه اجراءات تتعلق بالمحليات والوحدات الادارية، ولن يتوقف فقط عند اشواق اتفاقية جوبا ولكنه اشبه بالمشي فوق الاشواك.
صحيفة الانتباهة