مقالات متنوعة

أحمد يوسف التاي يكتب: تاني ما تجيب لينا عمر بن الخطاب في عمودك

(1)
بعد زيارة رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك إلى جهاز المخابرات وحديثه عن اهمية الجهاز ودوره في الحكم الديمقراطي تبارى عدد من الكُتّاب في رسم ذلك الدور، وجنح آخرون إلى إعادة صلاحيات الجهاز التي كانت سائدة قبل الثورة، والحق أن هؤلاء الكتاب لمّحوا كثيراً بذلك قبل زيارة حمدوك للجهاز… معلوم تماماً ذلك الدور الذي تضطلع به أجهزة المخابرات في الأنظمة الديمقراطية ولا يحتاج الأمر إلى «شطحات» و»مغالطات»، فما كان لها أن تعتقل وتقوم بتصفية خصوم النظام، وتصادر وتحاكم وتراقب الصحف ووسائل الإعلام وتعْمد إلى إيقافها دون حكم قضائي، ومصادرتها بعد الطباعة مباشرةً كما كان يعمل جهاز أمن البشير…
في الأنظمة القهرية يقوم جهاز الأمن بكل شيء ويمارس السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية بما يجعله الحاكم الفعلي ويضع كل السلطات والصلاحيات في يده، وهو أمر لا محل له في الأنظمة الديمقراطية.
(2)
(شوف يا زول تاني لو لقيت الترابي دا لابس تي . شيرت وبلعب في الميدان كورة ما تجيب سيرتو في جريدتك لا خبر لا تقرير لا زفت، ما عايزين أي كلام عن الترابي ..)… كانت تلك تحذيرات وتهديدات لكاتب هذه السطور في أقصر استجواب بجهاز الأمن… وكان سبب التحذير خبر صغير بصحيفة الشارع السياسي التي كنتُ مديراً لتحريرها، وكان عنوان الخبر: (الترابي يؤلف كتاباً داخل سجنه بكوبر)… وجهاز الأمن بالطبع لا يريد أي أخبار عن كبيرهم المحبوس بأمر البشير حتى ينساه الناس، هكذا كان جهاز الأمن يتدخل ويحدد للصحف ما تنشره وما لا تنشره ، ومن الأخبار التي يمنع الجهاز نشرها أيضاً جرائم الاغتصاب، وارتفاع الدولار، وعدم السماح بنقد الرئيس او التعرض له ولنوابه وآل بيته وعائلته فذاك خط أحمر دونه خرط القتاد، تلك حقيقة عايشتها على المستوى الشخصي لحظة بلحظة وعلى مدى عشرين عاماً … هذه الخطوط الحمراء كل الصحافيين يعرفونها حتى الذين يُسرفون الآن في سب البرهان وحمدوك والإساءة إليهما وتجريحهما تحت لافتة حرية الصحافة والرأي، وما أوسع البون بين نقد أداء المسؤول والإساءة إليه والنيل منه، ومع ذلك يزعمون أن حكومة الثورة تُضيّق على الإعلام..
(3)
كنتُ أختم زاويتي وتحت عبارة نبضة أخيرة، بإحدى القصص التي توثق لعدل عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز واستقامتهما كأنموذج للحاكم المسلم العادل الزاهد الذي يخشى الله ولا تأخذه في الحق لومة لائم .. لكن تلك الخاتمة كانت تٌزعج بعض رجال البشير في جهاز الأمن فرأوا أني أتحايل على نقد البشير بصورة غير مباشرة وذلك من خلال إبراز الفرق الشاسع بين (العمرين) و(عمر البشير) في العدل والاستقامة والنزاهة والإيثار والزهد والعفة عن المال العام، لذلك كان التوبيخ ذات يوم :(يا زول هوي شوف تاني ما تجيب لينا سيرة عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز في عمودك الكلام دا، إنت هسي ما لقيت من الصحابة ديل كلهم إلا عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، حركاتك دي نحنا عارفنها) هكذا كانت صيغة التحذير في حضور زميلي يوسف الجلال الذي كان قد تم استدعاؤه أيضاً إلى هناك ذات يوم… ولكم أيها الناس أن تقارنوا بين كُتّابٍ ينالون من رئيس الحكومة اليوم سباً وشتماً وتجريحاً، وكُتاب كان يقال لهم البشير وأسرته ونوابه خط أحمر غير قابل للنقد أو التعريض…. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة