سياسية

إقليم تيغراي.. شهادات حصرية تروي أيام الحرب

يوم 28 من الشهر الماضي، حطت قناة الجزيرة الرحال في مدينة ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي شمال إثيوبيا، ضمن أول وفد إعلامي دولي يزور الإقليم المعزول منذ نحو 4 أشهر بسبب المعارك بين القوات الإثيوبية الفدرالية وما تسمى “جبهة تحرير شعب تيغراي” منذ نوفمبر الماضي. وإلى جانب الجزيرة، سمح بدخول الإقليم لـ 7 مؤسسات إعلامية دولية هي “رويترز” ووكالة الصحافة الفرنسية وهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” (BBC) وصحيفتا “نيويورك تايمز” و”فايننشال تايمز منذ الساعة الأولى للوصول، تجولت كاميرا الجزيرة في أحياء مدينة ميكيلي، والتقت سكانها والنازحين إليها. وكان لافتا حجم الغضب، الذي لا تُخطئه العين، حالة احتقان تجاه الحكومة المؤقتة المُعينة في نوفمبر الماضي. ولم يخل حديثٌ أو شهادة من انتهاكات مُرتكبة من جانب القوات الإريترية بالدرجة الأولى وفق قولهم، إضافة إلى انتهاكات قوات قادمة من إقليم أمهرة، وأخرى مُرتكبة من جنود فدراليين تابعين للجيش الإثيوبي. حرص فريق الجزيرة على التجول بحرية في المدينة دون مرافقة، كما طُلب منه تمييز السيارة التي تقله لزيادة معدل الأمان، واستبعاد استهدافها في حال تم الخلط بينها وبين عربات حكومية. وفورا بعد وضع شعار الجزيرة، كان الفريق هدفا للباحثين عن صوت حرموا من إيصاله منذ أن عزلت المدينة وأعلنت فيها حالة الطوارئ قبل 4 أشهر. لأول مرة وأجرت الجزيرة سلسلة من اللقاءات مع سكان مدينة ميكيلي والنازحين إليها. وتكاد تكون الروايات تصب في خانة واحدة عنوانها الأول التوجس من الحكومة المؤقتة المعينة حديثا، وثانيا الانتهاكات المرتكبة من قبل مليشيات. كانت جميع الخدمات الأساسية في المدينة معطلة، الماء والكهرباء والإنترنت، وهو ما عمق من معاناة الناس، وبات أكثر من 3 ملايين شخص يحتاجون إلى مساعدة عاجلة، منهم نحو مليون بلغوا حد المجاعة. اعلان في المقابل،بحسب الجزيرة نت ثمة انطباع عام بالمدينة أن الحرب المتوقفة ليست إلا ترويجا للرواية الرسمية، أما سكان المدينة فيرون أن الحرب لم تنته بعد، لأنها تتجدد بين الحين والآخر في الجبال إضافة إلى حديث عن أن “جبهة تحرير شعب تيغراي” تعيد ترتيب صفوفها، وكل مرة يكون الحديث عن القوات الإريترية وخروجها المطلب الأول. لم تخل شهادة واحدة -إما من مشاهدات أو نقلا عن شهود- من اتهامات تُوجه بالدرجة الأولى للقوات الإريترية. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى خلافات تاريخية بين إريتريا وإقليم تيغراي تعود إلى كون “جبهة تحرير شعب تيغراي” كانت رأس الحربة في حروب عدة اندلعت القرن الماضي آخرها حرب نشبت عام 1998 واستمرت لعامين، ووُجهت حينها اتهامات لمقاتلي الجبهة بارتكاب انتهاكات واسعة بحق الإريتريين، شملت هدم قرى بالكامل ومصادرة أملاك. وفيما يتعلق بالفتاة موناليزا التي حظيت بنقاش واسع وخصوصا مع تضارب الروايات بشأن هوية من اعتدى عليها، هل كانوا إريتريين أم إثيوبيين، قالت الضحية إنهم إريتريون. وفي شهادة طويلة، لُخصت في تقرير عرض على شاشة الجزيرة، ذكرت أنها ظلت تنزف لساعات قبل أن تأتي قوات إثيوبية وتنقلها إلى المستشفى. وفي لقائه مع الجزيرة، اعترف مولو نغا الحاكم المؤقت لتيغراي بوجود قوات إريترية في الإقليم، مؤكدا أن الحكومتين المحلية والمركزية لم يكن لديهما رغبة فيما حدث. وقال الحاكم المؤقت إن السبب الرئيسي لدخول القوات الإريترية هو قيام “جبهة تحرير شعب تيغراي” بهجوم مباغت على قيادة الجيش الفدرالي الشمالية، مما ترك الإقليم دون أي حماية وخصوصا من الحدود، وهو ما تسبب بدخول هذه القوات. وبشأن الانتهاكات، أكد نغا أن أولوية الحكومة هي البدء بالتحقيق، مشيرا إلى أن حكومة تيغراي السابقة أطلقت أكثر من 10 آلاف سجين تسببوا خلال فراغ الحكم -الذي استمر لأيام- بحوادث أمنية كثيرة، ومنهم من ارتدى بزات عسكرية وارتكب جرائم باسم القوات الفدرالية، مبينا أن التحقيقات ستجرى من قبل جهات حقوقية وطنية مستقلة وعبر القضاء، مؤكدا على محاسبة جميع الضالعين بهذه الجرائم. وبشأن سبب عدم طلب أديس أبابا رسميا من أسمرة إخراج قواتها، قال إن الأمر يبحث ضمن مستوى الحكومة الفدرالية، في حين أن الحكومة المؤقتة لها مهام وصلاحيات وأوليات تبدأ بالحرص على وصول المساعدات واستعادة البنية التحتية وبناء ما تهدم منها وترسيخ الأمن، وصولا إلى تهيئة الظروف لانتخابات يختار فيها الإقليم حكومته. يذكر أن “جبهة تحرير شعب تيغراي” تحكم الإقليم منذ نحو عقدين، بل عمليا هي من حكمت إثيوبيا تحت مظلة “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية” التي كانت مهيمنة على مفاصلها، واستطاعت من خلالها قيادة معارك لإسقاط نظام منغستو ميريام ونجحت في ذلك عام ١٩٩١. وظلت هذه الجبهة تحكم إثيوبيا مهيمنة على المشهد السياسي والأمني والعسكري إلى حين وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى سدة الحكم. بدأت الحرب في الإقليم بعد هجوم مباغت في الثالث من نوفمبر الماضي للجبهة على القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي الفدرالي، وهذا يعني طرد هذا الجيش من الإقليم بالكامل، وعليه لم تتردد الحكومة المركزية في حشد قواتها وبدء عمل عسكري تحت عنوان “إنفاذ القانون”. وعمليا بدأت المعارك من جهة الغرب، ضمن معلومات تحدثت عن مشاركة قوات من إقليم أمهرة المجاور ومعها قوات إريترية. وتُعد “حُمرة” على الحدود بين إقليم تيغراي والسودان المدينة الأولى التي شهدت معارك وُصفت بالطاحنة، وهي أكثر المدن التي تعرضت للدمار، كان الهدف عزل الإقليم عن السودان الذي يصف البعض علاقة الجبهة معه بالتاريخية. وجنوب “حمرة” تقع بلدة “ماي كدرا” التي قيل إن انتهاكات واسعة حدثت فيها، شملت القتل بالرصاص والأسلحة البيضاء، والاغتصاب. وانتقلت المعارك بعد ذلك من “حمرة” والتي شكل سقوطها مثل سقوط أول أحجار الدومينو، وتقدمت القوات الحكومية سريعا باتجاه الشرق وصولا إلى مدينة “أديغرات” ومنها انعطفت جنوبا وصولا إلى مدينة “ووكر”. وبالمحور المقابل، تقدمت القوات الحكومية جنوب ميكيلي ووصلت إلى مدينة “ألماتا” وحوصرت عمليا ومنحت الجبهة مهلة للانسحاب وفعلت، لتعلن الحكومة السيطرة على العاصمة يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتنتقل المعارك بشكل محدود ومتقطع إلى الجبال بقطاعات الإقليم الشمالية والجنوبية والوسط.

الخرطوم (كوش نيوز)