د. جبريل.. الوقت للعمل (2)
* تطرقنا في مقال الأمس إلى تحدياتٍ كبيرةٍ تواجه د. جبريل إبراهيم، وزير المالية الجديد، في ما يتعلق بسعيه المحمود إلى تخفيض أسعار السلع الاستراتيجية، للتخفيف على المواطنين، وسنتطرق في مقال اليوم إلى تحدياتٍ أخرى، تتصل بكيفية حفظ المال العام من الهدر، بعد أن تفشى الفساد الجديد، وبدّد مقدرات البلاد، برعاية وزارة المالية، التي غضت الطرف عن تجاوزاتٍ مريعةٍ، أهدرت على البلاد تريليونات الجنيهات، وتسببت في إفلاسها وانهيار اقتصادها، وتدمير قيمة عملتها الوطنية.
* في عهدي الوزيرين السابقين تم انتهاك القانون الذي يحكم مشتريات الدولة وتعاقداتها مراراً، وقد وثقنا بعضاً من تلك التجاوزات المريعة في هذه المساحة، وكتبنا عن طوفان الفساد الجديد، وتحدينا الوالغين فيه أن يلجؤوا إلى القضاء إذا رميناهم بما ليس فيهم، فعجزوا جميعاً، بسبب صحة ودِقّة ما نسبناه لهم.
* لسنا بحاجة إلى اجترار التجاوزات، ويكفينا أن ننتظر من د. جبريل أن يوقفها، ويلزم كل مؤسسات الدولة باحترام قانون الشراء والتعاقد لسنة 2010، ويمنع تجاوزه، ويحاسب كل من يتجرأ على انتهاكه.
* لو فعل ذلك فسيقضي على سرطانٍ خبيثٍ، أكل لحم الدولة ونخر عظمها وبدد عافيتها وأورثها خراباً وفقراً وغلاءً وتضخماً مريعاً، أحنق الناس على حكومة الثورة، وهز بناءها وهدد أساسها.
* حددت وزارة المالية في زمن د. البدوي سقفاً مالياً للتصديق بالشراء من دون الرجوع إليها، بحيث تنحصر قيمة المناقصة العامة بحدود أربعة ملايين جنيه (بالجديد)، والمناقصة المحدودة بما لا يزيد عن مليونين، والشراء المباشر بما لا يتخطى مليوناً ونصف المليون، وعروض الأسعار بما لا يزيد عن مليون جنيه.
* بوجود ذلك المنشور الملزم؛ تم توريد سلع وبضائع حكومية بشراءٍ مباشرٍ ومناقصاتٍ محدودة بلغت قيمتها مليارات الجنيهات، بل إن بعضها تم بعشرات ومئات الملايين من الدولارات، أمام ناظري وزارة المالية، التي غضت الطرف عن تلك الصفقات الفاسدة، بل مولتها من عرق المساكين بكل طيب خاطر.
* مثال على ذلك المناقصة المحدودة التي تم بموجبها شراء أسمدة عبر البنك الزراعي السوداني بما يفوق خمسين مليون دولار، بفسادٍ مشهر، تم بقوة عينٍ غريبة، وسبقه فساد آخر، تم به شراء (خيش) بملايين الدولارات.. بلا عطاءٍ ولا يحزنون.
* يذكر الجميع كيف تدخلت هذه الصحيفة لإيقاف صفقة شراء سيارات السيادي، بكشف تفاصيلها، وفضح هوية المتورطين فيها، ولولا ذلك النشر لتم توريد السيارات عبر (اسم عمل) تمتلكه سيدة متنفذة، نالت حظوةً غريبةً، تشي بوقوف نافذين فاسدين وراءها.
* عن الفساد المستشري في ملف استيراد الوقود حدّث ولا حرج، وقد نشرنا العطاءات التي أجريت ورفضت وزارة الطاقة تنفيذها، وكتبنا عن تفاصيل الصراع المحتدم بين مافيا الوقود، وكيف تم إلقاء القبض على موظفين في وزارة الطاقة تورطوا في المتاجرة بالوقود خارج الأطر الرسمية.
* خلال الفترة الماضية درجت وزارة الطاقة على إجراء عطاءات لسلعة تم تحريرها، وكان غريباً أن يتم نشر العطاءات ثم تُفرز ولا تنفذ، مثلما تم منع الشركات من استيراد الوقود الحُر، بانتهاكٍ صارخٍ لقرار أصدره د. حمدوك شخصياً.
* أما ملف الذهب فذاك وجعٌ آخر، يكفي أن نذكر في شأنه أن البلاد فقدت معظم خيراته، لتصل احتياطيات البنك المركزي من العُملات الأجنبية إلى الصفر، أو ما دونه، لأن عوائد الصادر لا تعود، تحت بصر الدولة، وبمباركتها وكامل رضاها.
* نتوقع من الدكتور جبريل أن يمتشق سيفه الصقيل، ليحاصر سرطان الفساد الحكومي المتفشي في جسد الدولة، ويُحرّم التعدي على المال العام بالهدر والسرقة والعقود الفاسدة.
* ما لم يفعل ذلك (ونظن أنه سيفعل) فلن تبلغ بلادنا ضفاف السلامة، ولن تشم العافية، وسيتواصل انهيار الاقتصاد، وستنهار معه الدولة، لتغرق في خضم المجهول.. ألا قد بلغت
مزمل ابو القاسم – صحيفة الجريدة