مناوي وإقليم دارفور .. تحديات وعقبات منتظرة !!
قطعت الحكومة الانتقالية شوطاً في استكمال هياكل السلطة الانتقالية وفقاً لاتفاق السلام، وقد تجاوزت تحديات تمثيل أطراف السلام في مجلسي السيادة والوزراء، وتنظرها تحديات أخرى في تشكيل المجلس التشريعي الذي طال انتظاره، وكذلك اختيار الولاة، فضلاً عن عودة الحكم الإقليمي الذي لم تتضح الرؤية بشأنه بعد، وهناك أنباء تشير إلى تكوين لجنة برئاسة عضو مجلس السيادة محمد الحسن التعايشي للنظر في هذا القضية المهمة، ومن جانب آخر، أصبحت مسألة تولي مني أركو مناوي رئيس حركة وجيش تحرير السودان، رئاسة إقليم دارفور مسألة وقت، حسب التسويات والمحاصصات السياسية التي تشكلت وفقاً لها هياكل الحكم، وفي هذا السياق، عقد مناوي مؤتمراً صحفياً عقب عودته من ألمانيا مؤخراً طرح فيه رؤيته لحكم الإقليم والسياسات التي سينتهجها، وقد أكد مناوي أن حركته هي من طلبت أن يؤول لها حكم الإقليم، وفي حال تحقق ذلك، فإن مناوي صاحب التجربة السابقة في ظل اتفاق أبوجا رئيساً للسلطة الانتقالية الذي لم يكتب له الاستمرار، سيعود هذه المرة في ظل واقع جديد، وربما تشريعات جديدة تختلف عن السلطات والصلاحيات السابقة. “الجريدة” أجرت مقابلات واستطلاعات لمجموعة من قادة الرأي والمختصين لمعرفة العقبات والتحديات التي ستواجه الإقليم بصورة عامة، ومني أركو مناوي بصفة خاصة، في حال أصبح حاكماً لإقليم دارفور:
يؤكد القيادي في منبر المجتمع المدني الدارفوري المهندس محمد آدم أن مناوي سيكون حاكماً لإقليم دارفور حسب التوافق السياسي، وأن من أبرز التحديات التي تواجه الإقليم بالإضافة إلى التشريعات القانونية التي تضبط علاقة الإقليم بالولايات وعلاقته بالمركز، هي أيضاً التحديات المالية، والوفاء بالمبالغ المرصودة في اتفاق السلام لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في دارفور، ويضيف محمد آدم لـ”الجريدة” بأن وزارتي المالية والتنمية الاجتماعية اللتين آلتا لحركات الكفاح المسلح، هي من أهم الوزارات التي تلعب دوراً كبيراً في المرحلة المقبلة، مثل دور وزارة التنمية الاجتماعية في إعادة التوازن ومساعدة مجتمع النازحين واللاجئين للعودة للحياة الطبيعية، وأن يكون مجتمعاً منتجاً يساهم في الدخل القومي، وعبر ديوان الزكاة، يقول آدم أنه لابد من وضع برنامج لدعم الأسر الفقيرة التي تأثرت بالنزاع حتى تكون هي نفسها بعد عامين أو ثلاثة تدفع الزكاة، ويعود النشاط الزراعي والرعوي إلى سابق عهده.
آفاق جديدة:
ومن زاوية أخرى، ينظر الكاتب والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر للأمر بغض النظر عن طبيعة المرحلة القادمة والحالة التشريعية فيها، يرى أن استكمال تطبيقات الوثيقة الدستورية وبرتوكولات سلام جوبا، وما حدث من اتفاق على الحالة الدارفورية، يستحق الإشادة فعلاً، حيث أنه منذ الأول من يناير ١٩١٧ والذي الحقت فيه دارفور بحكم الأمر الواقع بالهزيمة بالسودان، لم يحدث تطور نوعي للخروج من دائرة التبعية الي حالة المشاركة والمساواة من حيث الحقوق الدستورية، إلا في سياق استكمال اتفاقات جوبا، ويقول خاطر لـ”الجريدة” بأنه في اتفاق جوبا تم الاعتراف بالحقوق الدستورية لدارفور، والخروج من دائرة النفق التاريخي وفتح المجال أمام أبناءها لأن يشاركوا كسودانيين أصلاء في تطوير التجربة السودانية من واقع تطوير تجربتهم في دارفور نفسها، وفي هذا السياق، يضيف بأن دارفور مليئة بالتجارب الإدارية وبالحكمة التاريخية، وبالقدرة على معالجة الطوارئ من واقع الثقافة المتنوعة، ولذلك يرى خاطر بأنه مهما كانت قلة خبرة الذين يطلعون بتطبيق اتفاقيات جوبا في المرحلة الانتقالية، إلا أن الفرصة قد اتسعت للتدريب ولمعرفة التاريخ، ومعرفة ما حدث، وأن دارفور ستساهم في نقل السودان إلى واقع جديد بالصيغة الفيدرالية ديموقراطياً في آفاق جديدة، سواء كان ذلك في علاقة دارفور بالولايات والأقاليم الأخرى، أو في مساهمتها ضمن الأقاليم لتغير سياسات المركز بما يتفق والعدالة الدستورية.
الأفق الاقتصادي.. فرص وتحديات:
يقول عبدالله آدم خاطر إن التحدي وارد، ليس فقط بسبب أهل دارفور، لكن بسبب البيئة والظروف المحيطة بها خارجياً، لأن دارفور هي المدخل افريقياً للسودان لغرب افريقيا ولدولة جنوب السودان ولما بعدها لدول البحيرات الكبرى، فضلاً عن الشمال، عن طريق ليبيا إلى كل الشمال الافريقي، هذه التحديات وفقاً لخاطر تتمثل في استعادة الأفق الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يميز دارفور، وقد كانت ذات صلات تجارية واقتصادية حتى بلغت كسوة الكعبة، لكن هذه المرة تأتي في اطار دولة تحترم الأعراف والتقاليد والاقتصاديات لكل الأقاليم، هذا التحدي كبير بالنسبة لمن يتولى إدارة إقليم دارفور بصورة عامة، أما بالنسبة للولايات فالتحدي في تحولها من دائرة الإغاثة إلى دائرة الإنتاج، ومن دائرة التقليدية إلى دائرة الحداثة، ومن دائرة الاعتماد على الغير الى الاعتماد على التنمية من الواقع الثقافي لكل ولاية متضامنة في شكل إقليمي في ظل سودان أكبر.
الصراع الاجتماعي .. ظاهرة سطحية عابرة أم انقسام حقيقي:
يتأسف خاطر بشدة لظاهرة الصراع الاجتماعي التي عادت من جديد في السطح، ويرى بأنها تعود إلى السياسات القديمة التي كان يطلع بها المركز لتفتيت وتمزيق النسيج الاجتماعي، من أجل تسخير موارد الإقليم واستغلالها لصالح جهات لا تريد مصلحة الإقليم وأهله، والآن وبعد عودة الأمور إلى نصابها، سرعان ما تتجاوز دارفور هذه السياسات المركزية، ذات الطابع الأمني، وستكون سند لوحدة السودان المتنوع وللاقتصاد السوداني المتطور الذي يعتمد على الصادر وليس الاستعانة بالإغاثات والتبعية الاقتصادية.
هل سينجح مناوي في تجاوز التحدي؟
يقول عبدالله آدم خاطر أنه من المؤكد بالنسبة لمناوي وخبرته العملية في مجال الإدارة وصنع السياسات، والتي يعتبرها خاطر ضعيفة لحد كبير، لكنه يقول بأنه الآن يمثل رمزية التحرير والمبادرة لإقليم دارفور في اطاره الكبير، وفي نفس الوقت يمكن أن يشكل رمزية في استقرار العلاقات بين السودان والدول المجاورة التي كان ضيفاً عليها في وقت من الأوقات، وبطبيعة الحال، فإن الدولة الحديثة هي دولة مؤسسات، وإذا اكتفى مناوي بالرمزية، فالمؤكد أن هناك مؤسسات يمكن أن تتجاوز بدارفور أي أزمة محتملة في الإطار الاجتماعي أو الاقتصادي.
وفي هذا يرى الباحث في مجال السلام الدكتور عباس التجاني، أن فكرة الإقليم الواحد مجربة من قبل في أبوجا والدوحة، وأن الجديد يفترض أن يكون في مؤتمر الحكم والإدارة لتحديد ما إذا كان نظام الحكم المناسب للسودان هو الحكم الإقليمي أم الولايات، الأمر الذي لم يحدث بعد، ويقول التجاني في حديثه لـ”الجريدة” أن كل الترتيبات الحالية انتقالية، وستحدد الأمور لاحقاً وفقاً لنتائج المؤتمر، لكن الاتفاق اعتمد نظام الحكم فدرالي، إقليمي أم ولايات، ويضيف التجاني أن هناك تحديات كبيرة في نظام الحكم والعلاقات بين مستوياته، لأن مكون الحرية والتغيير ومكون السلام والمجتمع المدني يعاني من علاقات معقدة، ويظهر ذلك في توزيع المناصب، أحزاب دخلت وأخرى خرجت، ويؤكد هذا أن هناك نزاع حول السلطة، ومن ضمن المعالجات التي تمت في هذا الإطار مجلس شركاء الفترة الانتقالية، لمعالجة هذه التعقيدات التي قد تنجم عن عدم الاتفاق السياسي.
هذا الصراع سيؤثر على حالة السلم، يقول التجاني، وأن وهناك ٢ مليون نازح في معسكرات النزوح واللجوء، وحركات لم توقع، الأمر الذي يجعل من مهمة مناوي صعبة، وقد ينجح فيها وقد لا ينجح.
تجريب المجرب … حتمية الفشل
يعتبر الصحفي المختص في شأن دارفور عبد الرحمن العاجب أن من أبرز التحديات وجود معسكرات النازحين في الإقليم، ما يدل على أن الأزمة ما تزال موجودة، وأن هناك عدد من المعسكرات سياسية، تتبع لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد، مثل معسكر كلمة ومعسكر أبو شوك وغيرها من معسكرات وسط دارفور، ويشير العاجب إلى أن هذه المعسكرات ستخلق بعبعاً للحكومة، لأن عبد الواحد لديه خط سياسي وتحفظ على الاتفاق الذي تم في جوبا، ويرى بأنه اتفاق قائم على المحاصصات.
يرى العاجب في حديث لـ”الجريدة” أن الحكم الإقليمي موجود سابقاً في دارفور، إلا أن بعض المكونات الاجتماعية تعتقد بأن الولايات قصرت الظل الإداري وأتاحت فرصة لأبناء الولايات في أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وبالتالي زادت الولايات من ثلاثة إلى خمسة، وفي التقسيم اعتمد النظام السابق على الموازنات الاجتماعية والقبلية، والولايات قامت على هذا الأساس، خاصة ولايتي وسط وشرق دارفور، يؤكد العاجب أن هذه المعادلة يصعب تفكيكها، ومن خلال الواقع المعاش، يقول بأن أغلب أبناء دارفور يدعمون وجود ولايات تحت ظل حكم فدرالي.
نقطة أخرى يثيرها العاجب، وهي أن مواطني دارفور يتخوفون من تكرار التجارب السابقة في أبوجا والدوحة، ويعتبر أن كل المكاسب التي حققتها هذه الاتفاقيات ذهبت لأشخاص، ولم تحقق لأبناء الإقليم شيء، وأنها جميعاً فشلت في تحقيق سلام حقيقي، وفي ظل الواقع الاجتماعي الهش، يقول العاجب أنه لا يمكن أن ينجح الحكم الإقليمي دون أن تكون هناك مصالحة بين المكونات الاجتماعية في دارفور، خاصة وأن هناك مرارات حدثت في فترة الحرب، يؤكد العاجب بأن الحكومة ارتكبت جرائم وانتهاكات، وكذلك الحركات ارتكبت انتهاكات مثلها.
يقول العاجب بأن حظوظ مناوي ضعيفة في إدارة وحكم الإقليم، بدليل تجربته السابقة في اتفاق ابوجا، ومن خلالها يقول العاجب بأن مناوي قام بالتمكين لمكونه الاجتماعي فقط وتجاوز كل المكونات، ويعتبر العجب بأن هذا ما يقف عقبة أمام قبول مناوي وسيواجه رفضاَ من قبل المجتمع، خاصة وأن البعض يرى بأن مسار دارفور هيمنت عليه مجموعة محددة، هذا من أبرز أحاديث المدينة في دارفور اليوم يقول العاجب، وبالإضافة إلى هذه التحديات يضاف لها رفض عبد الواحد والمعسكرات لمناوي.
أكثر مكن ذلك، يقول العاجب بأن هناك فصائل منشقة عن مناوي ترفض أن يكون حاكماً للإقليم، وتعمل بكل جهد من أجل إفشاله، خاصة وأن الثورة رفعت شعار الحقوق، وجعلت الناس كلهم يطالبون بحقوقهم، وإذا كنا نتحدث عن مكاسب سياسية للإقليم، ويرى البعض تحويل هذه المكاسب إلى مكاسب شخصية، كما حدث في التعيينات الأخيرة التي اعتمدت على القرابة، الطاهر حجر أتى بقريبه ومناوي كذلك، وجبريل جاء بنفسه ويمضي في أن يأتي بقريبه، وكذلك البقية، الهادي ونمر، هذه المسألة سيرفضها المجتمع الدارفوري بقوة، خاصة في ظل حرية التعبير التي من خلالها سيعبر الناس عن رفضهم، ولن ينجح الإقليم في هذا التحدي بهذه العقلية مالم يتم الجلوس مع مجتمع دارفور، وتتم مشاركته مشاركة حقيقية في السلطة، لن يمضي للأمام يقول العاجب، وفي ظل هذا الواقع ربما ينشط الاستقطاب ويعود الإقليم للمربع الأول، ومن خلال قراءة العاجب، يرى بأن شعب دارفور مع الولايات وضد الإقليم، وأنه لو قامت تجربة الإقليم ستفشل، كما فشلت في عهد أحمد إبراهيم دريج، والذي في عهده تم تأسيس التجمع العربي، وهذه المسألة لو قامت ستجد مقاومة. يقول العاجب أن دريج عندما كان حاكماً للإقليم مكّن لأهله، وقام مجلس الشعب الإقليمي بالإطاحة به وأجبره على التنحي، والآن هناك تخوف من أن تعاد تجربة دريج، ويتأسس تجمع عربي بشكل جديد مناوئ لهذه المجموعات، باعتبارها مجموعات افريقية، ويمضي العاجب في القول بأن الواقع يؤكد هذا الزعم من خلال التعيينات التي تمت، ويُخشى أن يعيد نظام الحكم الإقليمي دارفور إلى واقع ٢٠٠٣، مع العلم أن كل المكونات الاجتماعية تمتلك سلاح ثقيل جداً، والتي ليس لديها سلاح، تسعى الآن سعياً حسيساً لامتلاك السلاح لتكون جزء من العادلة القادمة.
الناطق الرسمي باسم تنسيقية الرحل والرعاة محمد صالح كبرو يشخص حالة دارفور ويرى بأن التحدي الذي يواجه أطراف السلام كلها هو تحدي التمويل، وهو ما يمكن أن يعيق استكمال السلام، ويقول كبرو لـ”الجريدة” أن وزير المالية من أطراف السلام، لكن رئيس الوزراء حمدوك أقدم على خطوة استباقية، بعدم تعيينه لجبريل نائباً له، واخرج ملف التعاون الدولي من وزارة المالية وكذلك أسس شركة خاصة بالأموال المستردة، هذه كلها جعلت من الوزارة وزارة خاوية على عروشها، ليس لها علاقات ودعم خارجي، وأن مناوي لا يستطيع تمويل تنفيذ الاتفاق، ويضيف كبرو بأن هناك تساؤل مطروح حول قدرة مناوي على رتق النسيج الاجتماعي ومعالجة المشكلات المتجذرة، يشير كبرو إلى أن مناوي لديه تجربة سابقة، وأن تقييمها يجب أن يكون في سياقها وظروفها والحكومة التي جاء فيها وصلاحياته، والآن الواقع تغير، والحكومة التي جاء عبرها أيضاً مختلفة، ويمكن له كحاكم إقليم أن يتحرك في مجال التنمية ورتق النسيق الاجتماعي، وهذا يتطلب من مناوي أن يتجرد عن كونه رئيس لحركة، وأن يتصرف كحاكم لإقليم، ويحتاج في ذلك أن يستوعب حتى المكونات التي لم تشارك في اتفاق جوبا، ليكونوا جزءً من القرارات والسياسات التي ينتهجها، ويؤكد كبرو بأن التحدي الكبير هو كيفية المحافظة على لحمة الإقليم، خاصة وأن هناك تصور مسبق عن مناوي تشكل خلال الفترة الماضية، يحتاج لاختراق الجدار وتغيير الصورة الذهنية، بأن يأتي بممثلين لكل مكونات دارفور ويكونوا جزء من الإدارة، حتى تعبر سياساته عن كل أهل دارفور.
يقول كبرو بأنهم ليست لديهم مشكلة كتنسيقية رحل مع مناوي، ويريدون منه فقط أن يستوعب كل مكونات دارفور، وأن لا يأخذ قرارات بمفرده، وينفذ ما يقرره الجميع عبر برلمان شعبي، وأن ينتهج سياسات واضحة في قضية المراحيل والصواني، لتحديد تغول المراحيل على الزراعة أو تغول الزراعة على المراحيل، ويتم تحديد المسارات بشكل واضح، وأن الإقليم أيضاً يحتاج لتشجير، لأنه بسبب الحرب تصحر، الأمر الذي يحتاج لخبراء حتى يتم استعادة القطاع النباتي في دارفور.
الخرطوم: حافظ كبير
صحيفة الجريدة