تحقيقات وتقارير

المدارس في الولايات .. بين “كورونا” والهجرة العكسية

الضائقة الاقتصادية تُجبر الكثيرين على العودة للمدارس الحكومية

تطبيق الإجراءات الاحترازية ضعيف.. والتضليل في هذه الولاية!

رغم تنفس سكان العالم أجمع الصعداء بانقضاء العام 2020م الذي شهد جائحة كورونا، وتوقفت حركة العمل في كافة المجالات بسببها في العام المنصرم، كان أهل السودان يخشون من العام 2021م والذي تأخر فيه انطلاق العام الدراسي في مدارس السودان المختلفة، التي شهدت تأجيلات متعددة خوفاً من جائحة كورونا، خاصة مع إقبال فصل الشتاء وظهور الموجة الثانية من الجائحة التي اختلفت في أعراضها وتفاصيلها، ومع بداية العام الجديد قررت وزارة التربية الاتحادية استئناف الدراسة في الفصول النهائية للمدارس الثانوية والأساس وفق اشتراطات صحية محددة، اتفقت عليها لجنة الطوارئ الصحية ووزارة التربية، ولتعلن بعدها استئناف الدراسة في بقية فصول المدارس في الخرطوم وولايات السودان المختلفة، رغم أن بعض الولايات سبقت الخرطوم في بداية العام الدراسي فيها، خاصة في مرحلة الأساس، فوجدت هذه الخطوة انتقادات لاذعة من بعض أولياء الأمور وعدد من المختصين، خاصة وأن العام الدراسي بدأ في ظروف بالغة التعقيد من الناحية الاقتصادية بداية من الأزمات المتلاحقة في الخبز والوقود، وانتهاء بالارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والأدوات المدرسية.

في هذه المساحة نستعرض بعض الولايات التي بدأ فيها العام الدراسي والصعوبات التي تواجه استمراره، وكذلك بعض الولايات التي اضضرت إلى اغلاق المدارس بسبب الاضطرابات الأمنية.

*الدمازين.. بين كورونا والإغلاق

في ولاية النيل الأزرق، بدأ العام الدراسي وفق إجراءات احترازية خوفاً من تفشي جائحة كورونا، ولكن بداية الدراسة في الولاية لم تشهد التزاماً بهذه الإجراءات، إضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع تكلفة ترحيل الطلاب، مما جعل المواطنين يخرجون للشارع رافضين التردي الاقتصادي وفي مقدمتهم الطلاب، الأمر الذي جعل حكومة الولاية تصدر قراراً بإغلاق المدارس إلى أجل غير مسمى.

بيد أن وزارة التربية والتعليم بالولاية أصدرت قراراً باستئناف الدراسة للفصول النهائية الأحد الماضي على أن تلحق بها بقية الفصول في الأيام القادمة.

*كسلا.. الخدعة مع التكدّس

في العشرة الأوائل من الشهر المنصرم، كانت ولاية كسلا قد أعلنت استئناف الدراسة لجميع الفصول وفق اشتراطات صحية صارمة تجنبًا للإصابة بجائحة كورونا في موجتها الثانية، بيد أن العديد من مدارس الولاية لم تلتزم بهذه الإجراءات وفق مراقبين للأوضاع التعليمية بالولاية.

فيما كشفت مصادر “الصيحة” إقدام إحدى المدارس بالولاية على ممارسة التضليل، حيث قامت بتقسيم التلاميذ على الفصول تحسبًا لزيارة لجنة الطواف الميداني الصحي الذي تنفذه وزارة الصحة لمتابعة الالتزام بالضوابط الصحية من اشتراطات التباعد الاجتماعي.. وعندما لم يصل الوفد قامت الإدارة بدمج التلميذات في فصل واحد ومواصلة الدراسة وتدريسهن، علمًا بأن الفصل يضم أكثر من ثمانين تلميذة.

وقال عدد من المراقبين، إن العديد من المدارس اتبعت ذات النهج مع التلاميذ، وكأنهم يخدعون لجنة الطواف الميداني، فيما نبه بعض أولياء الأمور إلى خطورة تكدس التلاميذ في الفصول مما يؤثر صحياً على أبنائهم وعلى مستوى التحصيل.

*القضارف.. الوقود يشعلها

تعتبر ولاية القضارف من أولى الولايات التي أعلنت استئناف العام الدراسي، وكانت الأمور مستقرة فيها مع بعض الإجراءات الاحترازية الخفيفة، بيد أن ارتفاع تذكرة المواصلات الداخلية إلى أربعين جنيهاً جعل الأمر صعباً على أولياء الأمور بالإيفاء بكافة مستلزمات أبنائهم وعلى رأسها ترحيلهم من وإلى المدارس، هذا إلى جانب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها جل أهل السودان، مما جعل الأمر ينفجر لتشهد مدينة القضارف أقوى وأعنف أحداث، حيث تم حرق العديد من المنشآت وتتريس الطرقات، وحدثت عمليات نهب لسوق القضارف مما دعاء حكومة الولاية إلى إغلاق الأسواق والمدارس، مما يهدد استمرار العام الدراسي الذي شهد الكثير من المتاريس والعقبات بدءاً من جائحة كورونا وانتهاءً بالأوضاع الاقتصادية المتردية.

*نيالا.. الحال من بعضه

وفي حاضرة ولاية جنوب دارفور، لم يختلف الأمر كثيراً عن بقية الولايات التي شهدت احتجاجات، حيث شهدت المدينة مظاهرات استمرت لعدد من الأيام رغم الإجراءات الاحترازية التي أعلنتها حكومة الولاية بتعليق الدراسة بمرحلتي الأساس والثانوي تحسباً لهذه الاحتجاجات التي كانت بسبب غلاء المعيشة وارتفاع تعرفة المواصلات والارتفاع الكبير في السلع الغذائية.

ويرى عدد من المراقبين أن تعليق الدراسة بالمرحلتين الثانوي والأساس يشكل مهدداً كبيراً للعام الدراسي الذي شهد اضطراباً بسبب جائحة كورونا والحظر الذي فرض سبب هذه الجائحة، وكان والي جنوب دارفور، قد أصدر قراراً قضى بحظر التجوال داخل مدينة نيالا خلال الـ(48) ساعة (ليل ـ نهار)، وذلك حتى يتسنى للأجهزة الأمنية ضبط الأوضاع داخل المدينة، وكانت لجنة الأمن قد استبقت الأحداث بتعليق الدراسة لمرحلتي الأساس والثانوي إلى أجل غير مسمى.

*الجنينة.. تحوّل المدارس

وفي ولاية غرب دارفور كانت الأحداث قد استبقت كافة الولايات من خلال الاشتباكات التي حدثت مؤخراً، ودعت حكومة الولاية إلى إعلان حظر التجوال وتعليق الدراسة بكافة المراحل وربما أن الجنينة تعتبر المدينة الأولى التي شهدت تعطيل الدراسة، وأصبحت مهددة بتجميد العام الدراسي فيها، خاصة وأن الكثير من المدراس استغلها النازحون الفارون من الاشتباكات سكناً لهم، إلى جانب العديد من المؤسسات الحكومية التي أصبحت مسكناً للنازحين.

ويرى عدد من أولياء الأمور بالمدينة، أن حياة أبنائهم الدراسية أصبحت في علم الغيب، خاصة وأن مدارسهم تم استغلالها من قبل النازحين مما يصعب عليهم استئناف الدراسة في حالة عودة الاستقرار الأمني.

*مدني.. الهجرة العكسية

تعتبر ولاية الجزيرة من أكثر الولايات استقراراً في عامها الدراسي الذي بدأ يناير المنصرم، إلا أن المدارس بها لم تلتزم بالاشتراطات الصحية وظل عدد من الفصول في تكدسها، رغم أنها قسمت الأسبوع على الفصول بالتناوب، وقال لي مصدر في الوزارة ــ فضل عدم ذكر اسمه، إنهم في حالة تقسيم التلاميذ على الفصول تواجههم مشكلة في الكادر العامل، حيث يصبح من الصعب تقسيم “الاستاف”، وكذلك من الصعب توفير حافز مرضٍ لهم باعتبار أنهم يعملون بطاقة مضاعفة، فيما كشف عدد من أولياء الأمور ارتفاع التكلفة التعليمية بصورة كبيرة جداً خاصة في المدارس الخاصة، وقال الطيب أحمد محمد، إنه بعد صعوبة نجح في نقل ابنه من مدرسة خاصة بعد أن وصلت رسومها إلى أكثر من سبعين ألف جنيه إلى مدرسة حكومية. وأشار إلى أن أعداداً كبيرة من أولياء الأمور نقلوا أبناءهم إلى مدارس حكومية، فيما قال لي عمر علي الجيد إن فصل ابنه في أحد المدارس الخاصة كان به خمسة وأربعون تلميذاً والآن أصبح به فقط عشرون تلميذاً لنقل البقية إلى مدارس خاصة.

*بورتسودان.. تطبيق الإجراءات

في ولاية البحر الأحمر، منذ أن أعلنت حكومة الولاية استئناف الدراسة في فصول الأساس والثانوي وجل المدارس ملتزمة بتقسيم أيام الأسبوع على الفصول الدراسية مع إجراءات احترازية معلنة، ولكن الكثير منها غير مطبق على أرض الواقع لشح الإمكانيات المتاحة لذلك، فيما توقع الخبير التربوي نصر محمد علي، عدم استفادة التلاميذ من دروس هذا العام الدراسي، وقال إنه من غير المنطق أن تضغط عاماً كاملاً في شهور محدودة خوفًا من تجميد العام الدراسي. وأضاف لـ”الصيحة”، أن الضغوط الاقتصادية وغلاء الأسعار في كافة السلع سيشكل مهدداً لإكمال العام الدراسي ليس في البحر الأحمر فقط، وإنما في كافة ولايات السودان، مشيراً إلى ما حدث في القضارف والفاشر ونيالا والأبيض وغيرها من مدن السودان، وقال إن الإصرار على مواصلة الدراسة في هذا الوضع لا يمكن سوى وصفه بأنه “كلفتة للعام الدراسي”، فيما قال أحد أولياء الأمور إن الإجراءات الاحترازية التي فرضتها اللجنة الصحية تعتبر إجراءات شكلية فقط، لأن ما يحدث الآن في المدارس لا توجد به أدنى الإجراءات الاحترازية، منوهاً إلى أن خطورة الوضع ليست في جائحة كورونا وإنما في انفلات الأسواق دون وجود رقيب عليها.

الخرطوم: جعفر باعو
صحيفة الصيحة