يوسف السندي يكتب دعوة للوحدة والعقلانية
في إجابة لمهاتير محمد على سؤال حول سر نهضة ماليزيا، قال إن الفصائل السياسية الماليزية المختلفة تركت خلافاتها وأقامت تحالفا متماسكا خلف نهضة ماليزيا، وأنه رغم تعدد الأعراق في ماليزيا الا ان الجميع اهتم بنهضة ماليزيا. يمثل هذا القول روشتة علاج ناجعة يمكن أن يستفيد منها شعبنا وطبقته السياسية، فوحدة الهدف ووحدة الأمة خلفه يعني النجاح في تحقيقه، بينما تعدد الأهداف والخلاف المزمن بين الفرقاء السياسيين سيقود حتما إلى الفشل في تحقيق هدف الأمة.
البلاد تعاني الامرين، انهيار الاقتصاد وعدم استقرار الوضع الامني والسياسي، وهي مؤشرات فشل الدولة، ومنبهات للجميع بضرورة اتخاذ اجراءات غير اعتيادية تحدث اختراقا في مجمل المشهد السياسي الحالي، وليس ثمة اختراق أكبر من توحيد جبهة الثورة، كل ما يلزم من أجل توحيد الكيانات الثورية الوطنية يجب ان يبذل، وعلى طريقة ماليزيا يجب أن تتفق جميع التحالفات والكيانات السياسية على نبذ خلافاتها والتوحد معا من أجل العبور بالفترة الانتقالية والوطن من دولة القهر التي ذاق مرها الجميع إلى دولة الوطن والديمقراطية، ومن دولة التمييز والقهر والظلم إلى دولة المساواة والحرية والعدالة.
ماكس فايبر يرى ان حركة تطور المجتمعات الأوربية تعود إلى العقلانية والتي تعنى الحركة الاجتماعية التي تحركها الغايات والحسابات وليس الدوافع العاطفية، العقلانية مطلوبة في الوقت الراهن من الجميع من أجل المضي في درب التطور، فالعواطف وان شحذت الهمم فإنها ستزول بزوال المؤثر وسينخفض الحماس مع الأيام، بينما الهمم التي تعلو نتيجة العقلانية لا تنخفض ولا تستسلم وإنما ترتقي سلالم النجاح سلما بعد سلم، وفي كل سلم تفرز العقلانية مزيدا من الخطط والأهداف الجديدة وتحبط مزيدا من المخططات المعادية لتطور الامة، وهو درب سلكته أوربا من قبل وهاهي أمامكم اليوم نموذجا للنهضة وعنوانا للبلاد المتطورة.
لو أننا نستفيد من تجارب الامم الأخرى، فإن تجربة مهاتير في ماليزيا والتي تاسست حول الوحدة ونبذ الخلاف، والتجربة الأوربية التي أبرزها ماكس فايبر في العقلانية وعدم الانجرار نحو العاطفة العمياء، يمثلان تجربتان جديرتان بالاقتداء، فالوحدة ملحة جدا في واقعنا الراهن الذي يسوده الانسحاب والتجميد والتشكيك والتخوين والثورة والثورة المضادة، والبلاد أحوج ما تكون إلى وحدة سياسية بين الكيانات ووحدة هدف للفترة الانتقالية، بينما العقلانية مهمة ايضا في ظل واقعنا السياسي الذي يعلو فيه الهتاف العاطفي و(الخم ) و(السواقة بالخلا )، وحدة مع عقلانية سيقوداننا بكل تأكيد نحو فجر الحرية والديمقراطية الأغر، بينما خلاف مع عاطفية عمياء سيقوداننا مجددا لحضن الشمولية حيث اللظى والنار، فهل نعي ما نريد؟!
صحيفة السوداني