اسماء جمعة تكتب اعقلوا يا هؤلاء وارحموا هذا الشعب
حملت الصحف ووسائل الإعلام أول أمس خبراً يقول إن مستشار رئيس الوزراء فايز السليك يفتح النار على الناطق باسم تجمع المهنيين، وكليهما زميلان تبرعا بالحضور من خارج السودان لخدمة الثورة، والسبب هو أن إسماعيل التاج وصف حمدوك (بالثورة المضادة ) بسبب الخلاف على المناهج، فرد السليك بقسوة، هذا الحدث هو مثال للتناقض والتشاكس داخل المجموعات التي تبرعت طواعية لخدمة الثورة داخل الحكومة أو خارجها، وأحياناً يصلون الى مرحلة من العجز في إدارة الخلاف لا يمكن وصفها إلا بتلك الكلمة الشعبية التي تعكس السفور في التعاطي مع التناقض (حتو قرض).
وحقيقة ليس هناك سبب يزرع الإحباط واليأس في نفوس المواطنين هذه الأيام أكثر من أن يرى رجال ثورته الذين تعشم فيهم خيراً يتصارعون ويخوضون حرب تخوين وتجريح ضد بعضهم، وكأنهم ولدوا أعداء ولم يكونوا بالأمس القريب متفقين في الأهداف والأحلام في ظل ثورة الشباب الواعي التي كشفت عمق مأساة السودان وخيبة أمله في ساسته من غير الشباب، وحينما أقارن بين حالهم أيام الثورة واليوم يتأكد لي أنهم يعانون ذات المرض الذي كان يعاني منه كوادر النظام المخلوع وهو (انفصام الشخصية) يجعلهم يتعاملون بازدواجية المعايير.
قبل يومين كتبت في هذه الزاوية أحذر من منح كوادر النظام المخلوع الفرص حتى لا يستغلوها لضرب الثورة وهم أصلا متربصين بها، وقلت إن الخلافات بين مكونات الحكومة الانتقالية وحاضنتها السياسية والمجموعات التي ناصرت الثورة، تمنحهم فرصة ذهبية لإحراز تقدم إن لم يكن في ضربها؛ ففي تأخيرها الذي يقود في النهاية الى استمرار الفشل.
أمر مؤسف حقاً أن يسهم كل الذين تبرعوا لإنقاذ البلد من براثن النظام المخلوع، من قوى حرية تغيير وتجمع مهنيين ومجتمع مدني في قتل الثورة نتيجة عجزهم في إدارة الخلاف وتوحيد رؤاهم، فهم بقصد أو دون قصد يتسببون في تعطيل التغيير، وما يقومون به يعكس أنهم ليسوا سياسيين ولا يصلحون لأن يكونوا رجال دولة، فهل يعقل أن يكون لهم هدف مشترك وكل يعمل ضد الآخر، بعض يدعو للتصعيد الثوري وآخر ينتقد الحكومة بطريقة تخلو من الحكمة، وآخر (يردم) زميله في وسائل الإعلام متشفياً وآخر يرد بمقال ناري، وكل يوم هناك جهة منهم تصدر بيانا تبكي وتشكي وتقول في رفقائها ما لم يقله مالك في الخمر، حقاً أمر مؤسف أن تخرج البلاد من مستنقع النظام المخلوع لتصطدم بمجوعات تدعي أنها تريد أن تصلح أخطاءها ولا تسطيع أن تتفق كيف تفعل ذلك، انشغلوا (بتمغيص) بعضهم وأدخلوا رئيس الوزراء في ورطة تؤثر على تعامله مع مشاكل الشعب المعقدة والعميقة والتي تزداد صعوبة كل يوم بسبب سلوكهم الصبياني.
أعتقد أن السادة في تجمع قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين بشقيه والمجتمع المدني، يحتاجون الى إعادة النظر في أنفسهم وإصلاح حالهم لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومستواهم هذا لا يؤهلهم لتشكيل حكومة مسؤولة تقود البلد الى بر الأمان، ونقول لهم اعقلوا وارحموا هذا الشعب من شغل (الحلة) هذا وارتقوا الى مستوى الدولة أو اعتذروا واتركوا المجال لمن فجروا الثورة ووحدت بينهم الأوجاع ودعوهم يرشدونكم ويحددوا لكم ما تفعلون.
صحيفة السوداني