صديق البادي يكتب: لا للمعركة في غير معترك بين المدنيين والعسكريين
يشهد الجميع بأن ما بين العسكريين والمدنيين في السلطة شد وجذب وصراعات تشتد حيناً وتخفت حدتها حيناً آخر وبينهما حرب باردة ولا داعي لدفن الرؤوس في الرمال والسيد رئيس مجلس السيادة والسيد رئيس الوزراء ظل كل منهما يصرح بأنهما على وفاق ولكن أثبتت عدة مواقف أن هذا حديث (من الطوق ولي فوق) وينطبق عليهما قول المتنبئ: (إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظن أن الليث يبتسم) وذكرتهما هنا بصفتيهما الرسميتين لأن ما بينهما يتعلق بشأن عام يخص الوطن والمواطنين وعلى المستوى الشخصي ربما تكون علاقتهماعلى ما يرام والمؤكد أنه لم تكن بينهما سابق معرفة شخصية وربما ألتقيا لأول مرة كفاحاً بعد حضور السيد رئيس الوزراء من أديس أبابا لتقلد موقعه بعد أن وقع الإختيار عليه . والشد والجذب ليس بين شخصين ولكنه بين مكونين هما المكون المدني والمكون العسكري وظل السيد رئيس الوزراء يتصل ويستعين بالمنظمات الدولية والقوى الخارجية للاستقواء بها لترجيح كفته في ميزان القوة بينه وبين العسكريين المشاركين في السلطة الذين يحسبون أن ضعف الآداء التنفيذي الحكومي يجعل وجودهم في السلطة ضرورياً لازماً للدفاع عن الوطن وحفظ الأمن القومي لئلا يحدث إنفلات وفوضى . ولو لزم كل من المكونين العسكري والمدني حدوده السلطوية ولم يتعداها لما حدث بينهما شد وجذب. والمتفق عليه أن الواحد والعشرين شهراً إلا أياماً قليلة التي انصرمت منذ نجاح ثورة التغيير وإنطواء صفحة العهد الماضي قد سادها هرج ومرج وصخب وفرض وصاية بلا وجه حق من أقليات مزعجة لم يفوضها الشعب مع أقليات مزعجة أخرى مضادة لها مع ضبابية الرؤية وضعف الآداء التنفيذي وتردي الأوضاع الإقتصادية والأحوال المعيشية وإنهيار القطاعات الإنتاجية والخدمية وهذا لا يعني الحنين للعهد الماضي الذي مضى وانقضى وأصبح في ذمة التاريخ وأضحت عودته وسيطرته وسطوته وهيمنته الأحادية وتمدده الأخطبوطي وإمساكه بكل خيوط المال والسلطات من المستحيلات كالغول والعنقاء والخل الوفي ولكن من حق الذين لم يفسدوا في الأرض أو تتلوث أيديهم بدماء الأبرياء أو المال الحرام أن يكون لهم وجود جزئي كاللآخرين (أما السيطرة الكلية فقد أصبحت من أساطير الأولين) . ومن النجاحات التي لا ينكرها إلا جاحد رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وأن للحاكمين من المدنيين والعسكريين دور مقدر في هذا النجاح بدرجات متفاوته ولا داعي للمغالطات بينهما وإدعاء أي طرف أن الإنجاز يحسب له وحده ( كمكرمة آل تغلب التي أنستهم كل مكرمة) والمهم أن ما تحقق هو إنجاز أثلج صدور كل السودانيين ولعل مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي الذي أشرفت فترة تكليفه علي الإنتهاء أراد بطريقة خبيثة أن يحدث شرخاً بين المدنيين والعسكريين بتهنئته للمدنيين والتركيز عليهم نكاية في العسكريين وبالتحديد السيد رئيس مجلس السيادة وهوعراب اعلان التطبيع بين السودان وإسرائيل وأراد أن يلوي أيديهم ويضغط عليهم وهددهم بأن الكونغرس إذا لم يجيز ويعلن اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب فإنهم سيلغون عملية التطبيع مع اسرائيل ومن جانب آخر أحسوا بأن السيد رئيس الوزراء يقدم رجلاً في عملية التطبيع مع اسرائيل ويؤخر الأخرى ويريد ألا يختلف مع من يودون التطبيع وفي ذات الوقت لا يريد أن يخسر من يقفون ضد التطبيع من الذين تجمعه بهم روابط سياسية أو فكرية وأراد الأمريكان الربت على كتفه ليقف مع التطبيع بوضوح ولذلك يريدون دعوته لحضور حفل لتدشين التطبيع يقام في البيت الأبيض ويشترك معه في هذا التدشين , نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي بحضور رئيس مجلس السيادة السوداني وأن الذي يدور بين العسكريين والمدنيين في السلطة الإنتقالية هو عراك في غير معترك وعليهم أن يتذكروا جميعاُ أن سلطتهم إنتقالية محدودة الأمد طال زمنها أو قصر وقد سبقت الفترة الإنتقالية فترتان إنتقاليتان أدى المكلفون فيها واجباتهم التي كلفوا بها وأنصرفوا في هدوء , وبعد ثورة أكتوبر في عام 1964م كون مجلس سيادة خماسي كانت الرئاسة فيه دورية والأعضاء الخمسة كانوا من أصحاب الثقل والوزن والتاريخ الحافل بأمجادهم المهنية والوطنية وهم دكتور التجاني الماحي ودكتور عبدالحليم محمد ودكتور مبارك الفاضل شداد (الذي أنتخب بعد ذلك رئيساً للجمعية التأسيسية) والسيد إبراهيم يوسف سليمان والسيد لويجي أدوك وبعد إنتهاء الفترة الإنتقالية بعد سبعة أشهر أنصرفوا في هدوء ووقار وإحترام لآداء مهام وطنية ومهنية في مجالات أخرى دون أن يتعلقوا بالسلطة أو يتشبثوا بكراسيها وكذلك فعل الاستاذ سر الختم الخليفة رئيس وزراء حكومتي أكتوبر الأولى والثانية الذي عاد للعمل بالخدمة المدنية وعين سفيراً بوزارة الخارجية دون أن تحدثه نفسه بطلب زعامة أو تشبث برئاسة وفعل مثلهم الإنسان الزاهد في السلطة المشير عبدالرحمن سوار الذهب رئيس المجلس العسكري الإنتقالي في الفترة الممتدة بين شهر أبريل عام 1985م وشهر أبريل عام 1986م وبعد إنتهاء فترة تكليفه أنصرف للعمل الدعوي والإنساني وكذلك فعل السيد رئيس الوزراء دكتور الجزولي دفع الله الذي لم تحدثه نفسه بزعامة أو رئاسة وعاد للعمل بعيادته ومعاملة مرضاه بكل إنسانية مع تفرغه لتدريس طلبته بكلية الطب بجامعة أم درمان الاسلامية التي عمل فيها أستاذاً ممتازاً مع مشاركته في مناشط تربوية ومجتمعية كالإنخراط في جمعية محاربة المخدرات التي يرأسها . وبذات القدر نأمل أن يحذوا المدنيون والعسكريون حذوهم ويتذكورا أنهم يتولون السلطة في فترة إنتقالية ثالثة محدودة الأجل وهي إلى إنتهاء طال زمنها أو قصر.وتحديد المهام والإختصاصات وإن تؤول رئاسة مجلس السيادة حتى نهاية الفترة الإنتقالية للعسكريين الذين عليهم التركيز على مجال الدفاع عن الوطن والحفاظ على أمنه القومي والأمل أن يعمل العسكريون والمدنيون داخل مجلس السيادة في إنسجام تام وأن يكون موقع رئيس الوزراء للمدنيين مع وضع برنامج وطني شامل واضح والعمل على إنتشال الإقتصاد من وهدته السحيقة وأن تكون الحكومة من ذوي الخبرات والكفاءات الرفيعة وتشكيل مجلس تشريعي إنتقالي يقوم بالمهام التشريعية والرقابية الصارمة على الجهاز التنفيذي دون حوجة لحاضنة ونأمل في المرحلة القادمة أن لا تمارس أية وصاية وضغوط وتدخل من أي حزب أو مجموعة سياسية هي إختصاصات السيد رئيس الوزراء . وأن تنصرف كل الأحزاب لتنظيم نفسها استعداداً للمرحلة التي تعقب الفترة الإنتقالية.ومن حق السيد رئيس مجلس السيادة أو السيد رئيس الوزراء أو غيرهما أن يسعى لكسب ثقة الشعب وإعادة شغله لموقعه عن طريق صناديق الإقتراع كما فعل من قبل الجنرال أوباسانجو الحاكم العسكري لنيجيريا الذي أوفى بعهده ووعده وأشرف على إجراء الإنتخابات العامة وفاز بمنصب رئيس الجمهورية السيد شيخوشقاري وتقاعد الجنرال أوباسانجو وفي مرحلة لاحقة ترشح لرئاسة الجمهورية وفاز وعاد لموقع الرئاسة عن طريق صناديق الإقتراع.
صحيفة الانتباهة